والمعنى : إذا تعاملتم بدين مؤجل فاكتبوه. فإن قلت : هلا قيل : إذا تداينتم إلى أجل مسمى (١) وأى حاجة إلى ذكر الدين كما قال : داينت أروى ، ولم يقل : بدين؟ قلت : ذكر ليرجع الضمير إليه في قوله (فَاكْتُبُوهُ) إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال : فاكتبوا الدين ، فلم يكن النظم بذلك الحسن. ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحالّ. فإن قلت : ما فائدة قوله (مُسَمًّى). قلت : ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام ، ولو قال : إلى الحصاد ، أو الدياس ، أو رجوع الحاج ، لم يجز لعدم التسمية. وإنما أمر بكتبة الدين ، لأنّ ذلك أوثق وآمن من النسيان وأبعد من الجحود ، والأمر للندب. وعن ابن عباس أن المراد به السلم وقال لما حرم الله الرّبا أباح السلف. وعنه : أشهد أن الله أباح السلم المضمون إلى أجل معلوم في كتابه وأنزل فيه أطول آية (٢). (بِالْعَدْلِ) متعلق بكاتب صفة له ، أى كاتب مأمون على ما يكتب ، يكتب بالسوية والاحتياط. لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص. وفيه : أن يكون الكاتب فقيها عالما بالشروط حتى يجيء مكتوبه معدلا بالشرع. وهو أمر للمتداينين بتخير الكاتب ، وأن لا يستكتبوا إلا فقيها دينا (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ولا يمتنع أحد من الكتاب وهو معنى تنكير كاتب (أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) مثل ما علمه الله كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير. وقيل هو قوله تعالى (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) أى ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها. وعن الشعبي : هي فرض كفاية ، وكما علمه الله : يجوز أن يتعلق بأن يكتب ، وبقوله فليكتب. فإن قلت : أى فرق بين الوجهين؟ قلت : إن علقته بأن يكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة المقيدة ، ثم قيل له (فَلْيَكْتُبْ) يعنى فليكتب تلك الكتابة لا يعدل عنها للتوكيد ، وإن علقته بقوله فليكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة على سبيل الإطلاق ، ثم أمر بها مقيدة (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) ولا يكن المملى إلا من وجب عليه الحق ، لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته وإقراره به. والإملاء والإملال لغتان قد نطق بهما القرآن (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ). (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ) من الحق (شَيْئاً) والبخس : النقص. وقرئ شيا ، بطرح الهمزة : وشيا ، بالتشديد (سَفِيهاً) محجورا عليه لتبذيره
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت هلا قيل إذا تداينتم ... الخ»؟ قال أحمد : الأجل المسمى هو المعلوم انتهاؤه ، ولعلم الانتهاء طرق منها التحديد بنفس الزمان كالسنة والشهر. ومنها التحديد بما يعتاد وقوعه في زمن مخصوص مضبوط بالعرف. كالحصاد ، ومقدم الحاج. وكيفما علم الأجل صح ضربه ، فمن ثم أجاز ملك البيع إلى الحصاد لأنه معلوم عندهم ، ثم المعتبر زمان وقوع هذه المسميات لا نفس وقوعها حتى لو حل زمن قدوم الحاج فمنعه مانع من القدوم مثلا لم يكن به عبرة وحكمنا بحلول أجل الدين ، والله أعلم.
(٢) أخرجه الحاكم من رواية أبى حيان الأعرج عن الأعمش عن ابن عباس ، قال «أشهد أن السلم المضمون إلى أجل مسمى أن الله أجله في الكتاب وأذن فيه» وقرأ هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ).