ومراعاة الآداب ، والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع ، واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السموات ، ليسأل فك الرقاب عن سخطه وعذابه. ومنه قوله تعالى: (وأْمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) أو : واستعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» (١) وعن ابن عباس أنه نعى إليه أخوه «قثم» وهو في سفر ، فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشى إلى راحلته وهو يقول : واستعينوا بالصبر والصلاة» (٢) وقيل : الصبر الصوم ، لأنه حبس عن المفطرات. ومنه قيل لشهر رمضان : شهر الصبر. ويجوز أن يراد بالصلاة الدعاء ، وأن يستعان على البلايا بالصبر ، والالتجاء إلى الدعاء ، والابتهال إلى الله تعالى في دفعه (وَإِنَّها) الضمير للصلاة أو للاستعانة. ويجوز أن يكون لجميع الأمور التي أمر بها بنو إسرائيل ونهوا عنها من قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) إلى (وَاسْتَعِينُوا). (لَكَبِيرَةٌ) لشاقة ثقيلة من قولك : كبر علىّ هذا الأمر ، (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ). فإن قلت : مالها لم تثقل على الخاشعين والخشوع في نفسه مما يثقل؟ قلت :
لأنهم يتوقعون ما ادّخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم. ألا ترى إلى قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أى يتوقعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده ، ويطمعون فيه. وفي مصحف عبد الله : يعلمون. ومعناه : يعلمون أن لا بد من لقاء الجزاء فيعملون على حسب ذلك. ولذلك فسر «يظنون» بيتيقنون. وأما من لم يوقن بالجزاء ولم يرج الثواب ، كانت عليه مشقة خالصة فثقلت عليه كالمنافقين والمراءين بأعمالهم. ومثاله من وعد على بعض الأعمال والصنائع أجرة زائدة على مقدار عمله ، فتراه يزاوله برغبة ونشاط وانشراح صدر ومضاحكة لحاضريه ، كأنه يستلذ مزاولته بخلاف حال عامل يتسخره بعض الظلمة. ومن ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «وجعلت قرّة عينى في الصلاة» (٣) وكان يقول «يا بلال
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره من حديث حذيفة بهذا اللفظ. فأخرجه أبو داود وأحمد من رواية عبد العزيز أخى حذيفة عن حذيفة بلفظ «كان إذا حزبه أمر صلى». وأخرجه البيهقي في الدلائل في قصة الخندق مطولا.
(٢) موقوف. أخرجه سعيد بن منصور. والطبري من طريق عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه «أن ابن عباس ...
فذكره». وأخرجه البيهقي في الشعب من هذا الوجه
(٣) أخرجه النسائي والحاكم وأحمد وابن أبى شيبة والبزار من حديث أنس رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حبب إلى من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة» وسيأتى في آل عمران.