المؤمنين بالأحكام المشار إليها ، دليل على أنّ التكليف مختصّ بمن يؤمن بالله واليوم الآخر.
وأجيبوا بأنّ التكليف قد ورد عامّا ؛ قال تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] وبيان الأحكام وإن كان عامّا في حق كل المكلّفين ، إلّا أنّه قد يكون ذلك البيان وعظا للمؤمنين ؛ لأن هذه التكاليف إنّما تتوجه على الكفّار على سبيل إثباتها بالدليل القاهر الملزم المعجز ، وأمّا المؤمن المقرّ فإنّما تذكر له وتشرح على سبيل العظة ، والتحذير.
قوله تعالى : (أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) [البقرة : ٢٣٢] زكا الزرع إذا نما وألف أزكى منتقلة عن واو ، وقوله : «أزكى» إشارة إلى استحقاق الثّواب ، وقوله : «أطهر» إشارة إلى إزالة الذنوب.
قال المفسّرون : أزكى لكم وأطهر لقلوبكم من الرّيبة. و «لكم» متعلق بمحذوف ؛ لأنه صفة ل «أزكى» فهو في محلّ رفع وقوله : «وأطهر» أي : لكم ، والمفضّل عليه محذوف ؛ للعلم به ، أي : من العضل.
قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) معناه : أنّ المكلّف وإن كان يعلم وجه الصّلاح في هذه التكاليف على الجملة ، إلّا أنّ التفصيل غير معلوم ، والله تعالى عالم في كل ما أمر ونهى ، بالكمية والكيفية بحسب الواقع وبحسب التقدير ؛ لأنّه تعالى عالم بما لا نهاية له من المعلومات.
قال بعض المفسّرين (١) : معناه أنّ لكل واحد من الزوجين ، قد يكون في نفسه من
__________________
ـ جمهورهم : هو مخاطب بالفروع ، كما هو مخاطب بأصل الإيمان ، وقيل : لا يخاطب بالفروع ، وقيل : يخاطب بالمنهي عنه ؛ كتحريم الزنا والسرقة والخمر وأشباهها دون المأمور به كالصلاة والحج ، والصحيح الأول ، وليس هو مخالفا لقولهم في الفروع ، لأن المراد هنا غير المراد هناك ، فمرادهم في كتب الفروع أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم وإذا أسلم أحدهم ، لم يلزمه قضاء الماضي ، ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة ، ومرادهم في كتب الأصول أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر ، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعا لا على الكفر وحده ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا ، فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين ، وفي الفروع حكم الطرف الآخر.
البحر المحيط للزركشي ٣ / ٦٣ ، التمهيد للإسنوي ص ٣٦٤ ، ونهاية السول له ١ / ٣٦٩ ، زوائد الأصول ص / ١٧٠ ، منهاج العقول للبدخشي ١ / ٢٠٣ ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ٣٢١ ، المنخول للغزالي ص / ٣١ ، الإبهاج لابن السبكي ١ / ١٧٧ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ١ / ٢٨٥ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص ٩٨ ، كشف الأسرار للنسفي ١ / ١٣٧ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ١ / ٢١٣ ، نسمات الأسحار لابن عابدين ص / ٦٠ ، ميزان الأصول للسمرقندي ١ / ٣٠٤.
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢١١.