الاستغراق ، فصار تقدير الآية : كلّ الطّلاق مرّتان ومرّة ثالثة ، ولو قال هكذا ، لأفاد أن الطّلاق المشروع متفرّق ؛ لأن المرّات (١) لا تكون إلّا بعد تفريق الاجتماع.
فإن قيل : هذه الآية وردت لبيان الطّلاق المسنون.
فالجواب : ليس في الآية بيان صفة السّنّة ، بل مفسّرة لأصل الطّلاق ، وهذا الكلام ـ وإن كان لفظه الخبر ـ إلّا أن معناه الأمر ، أي : طلّقوا مرّتين ، يعني : دفعتين ، وإنما عدل عن لفظ الخبر ؛ لما تقدّم من أن التّعبير عن الأمر بلفظ الخبر يفيد تأكيد معنى الأمر ، فثبت أن هذه الآية دالّة على الأمر بتفريق الطّلقات ، وعلى التّشديد في ذلك الأمر والمبالغة فيه. واختلف القائلون بهذا على قولين :
الأول ـ وهو اختيار كثير من علماء أهل البيت ـ : أنّه لو طلّقها اثنتين أو ثلاثا ، لا يقع إلّا واحدة.
قال ابن الخطيب (٢) : وهذا القول هو الأقيس ، لأن النّهي يدلّ على اشتمال المنهيّ عنه على مفسدة راجحة ، والقول بالوقوع سعي في إدخال تلك المفسدة في الوجود ، وهو غير جائز ، فوجب أن يكون الحكم بعدم الوقوع.
والثاني : قول أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ : إن الجمع ـ وإن كان محرّما ـ إلا أنّه يقع ، وهذا منه بناء على أنّ النّهي لا يدلّ على الفساد (٣).
حجّة القول الثّاني : هو أنّ الآية متعلّقة بما قبلها ؛ لأنه ـ تعالى ـ بيّن في الآية الأولى أن حقّ المراجعة ثابت للزّوج ، ولم يبيّن أنّ ذلك الحقّ ثابت دائما ، أو إلى غاية
__________________
(١) في ب : الثلاثة.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٨٣.
(٣) اختلفوا في أنّ النهي عن التصرّفات والعقود المفيدة لأحكامها كالبيع والنكاح ونحوهما ، هل يقتضي فسادها أو لا؟
فذهب جماهير الفقهاء من أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والحنابلة وجميع أهل الظاهر وجماعة من المتكلّمين إلى إفسادها ، لكن اختلفوا في جهة الفساد : فمنهم من قال إنّ ذلك من جهة اللغة ؛ ومنهم من قال إنّه من جهة الشرع دون اللغة ؛ ومنهم من لم يقل بالفساد ، وهو اختيار المحقّقين من أصحابنا كالقفّال وإمام الحرمين والغزالي وكثير من الحنفية ؛ وبه قال جماعة من المعتزلة كأبي عبد الله البصري وأبي الحسين الكرخي والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري وكثير من مشايخهم ، ولا نعرف خلافا في أنّ ما نهي عنه لغيره أنّه لا يفسد كالنهي عن البيع في وقت النداء يوم الجمعة ، إلّا ما نقل عن مذهب مالك وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه.
ينظر المستصفى ٢ / ٢٤ المنخول ١٢٦ التبصرة ١٠٠ الإحكام للآمدي ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٥ شرح الكوكب ٣ / ٨٣ جمع الجوامع ٢ / ٣٩٣ شرح العضد ٢ / ٨٥ ، كشف الأسرار ١ / ٢٥٨ تيسير التحرير ١ / ٣٧٦ القواعد والفوائد لابن اللحام (١١٠) العدة لأبي يعلى ٢ / ٤٣٢ ـ ٤٤٧ اللمع ص ١٤ روضة الناظر ١١٣ المسودة (٨٢) شرح تنقيح الفصول ١٧٣.