فالجواب من وجهين :
الأول : أنه ـ تعالى ـ لو ذكره بلفظ الأمر ، لكان ذلك يوهم أنّه لا يحصل المقصود ، إلّا إذا شرعت فيها بالقصد والاختيار ، وعلى هذا التّقدير : فلو مات الزّوج ، ولم تعلم المرأة حتى انقضت العدّة ، وجب ألّا يكون ذلك كافيا في المقصود ؛ لأنّها إذا أمرت بذلك لم تخرج عن العهدة إلا إذا قصدت أداء التّكليف ، فلما ذكره بلفظ الخبر ، زال ذلك الوهم ، وعرف أنّه متى انقضت هذه القروء ، حصل المقصود سواء علمت بذلك أو لم تعلم ، وسواء شرعت في العدّة بالرّضا أو بالغضب.
الثاني : قال الزّمخشري : التّعبير عن الأمر بصيغة الخبر يفيد تأكيد الأمر ، والإشعار بأنّه ممّا يجب أن يتعلّق بالمسارعة إلى امتثاله ، فكأنّهنّ امتثلن الأمر بالتّربّص ، فهو يخبر عنه موجودا ؛ ونظيره قولهم في الدّعاء رحمك الله ؛ أخرج في صورة الخبر ثقة بالإجابة ، كأنّها وجدت الرّحمة فهو يخبر عنها.
فإن قيل : لو قال : «يتربّص المطلّقات» لكان ذلك جملة من فعل وفاعل ، فما الحكمة من ترك ذلك ، وعدوله عن الجملة الفعليّة إلى الجملة الاسميّة ، وجعل المطلّقات مبتدأ ، ثم قوله : «يتربّصن» إسناد للفعل إلى ضمير المطلّقات ، ثم جعل هذه الجملة خبرا عن ذلك المبتدأ.
قال الشّيخ عبد القاهر الجرجانيّ في كتاب «دلائل الإعجاز» : إنّك إذا قدّمت الاسم ، فقلت : زيد فعل ، فهذا يفيد من التّأكيد والقوّة ما لا يفيد قولك : «فعل زيد» ؛ وذلك لأنّ قولك : «زيد فعل» قد يستعمل في أمرين :
أحدهما : أن يكون لتخصيص ذلك الفعل بذلك الفاعل ؛ كقولك : أنا أكتب في المهمّ الفلانيّ إلى السّلطان ، والمراد دعوى الإنسان الانفراد.
والثاني : ألّا يكون المقصود الحصر ، بل إنّ تقديم ذكر المحدّث عنه بحديث كذا لإثبات ذلك الفعل له ؛ كقولهم : «هو يعطي الجزيل» ولا يريد الحصر ، بل أن يحقّق عند السّامع أنّ إعطاء الجزيل دأبه ؛ وذلك مثل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النحل : ٢٠] ، وليس المراد تخصيص المخلوقيّة بهم ، وقوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) [المائدة : ٦١] ؛ وقول الشّاعر : [الطويل]
١١٠٤ ـ هما يلبسان المجد أحسن لبسة |
|
شجيعان ما اسطاعا عليه كلاهما (١) |
والسّبب في حصول هذا المعنى عند تقديم ذكر المبتدأ : أنّك إذا قلت : «عبد الله» فقد أشعرت بأنّك تريد الإخبار عنه ، فيحصل في النّفس شوق إلى معرفة ذلك ، فإذا
__________________
(١) ينظر : الرازي ٦ / ٧٥.