قال ابن عباس ، في رواية أبي صالح ، والكلبي : هذا من المكتوم الذي لا يفسّر (١) ، وكان مكحول ، والزّهريّ ، والأوزاعيّ ، ومالك ، وابن المبارك ، وسفيان الثّوريّ ، واللّيث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق (٢) يقولون فيه وفي أمثاله : أمرّها كما جاءت بلا كيف.
قال سفيان بن عيينة (٣) : كلّ ما وصف الله به نفسه في كتابه ، فتفسيره : قراءته ، والسكوت عنه ؛ ليس لأحد أن يفسّره إلّا الله ورسوله.
وروي عن ابن عبّاس (٤) أنه قال : نزل القرآن على أربعة أوجه :
وجه لا يعرفه أحد لجهالته ، ووجه يعرفه العلماء ، ووجه نعرفه من قبل العربيّة فقط ، ووجه لا يعلمه إلّا الله.
وقال جمهور المتكلّمين : لا بدّ من التّأويل ، وفيه وجوه :
أحدها : أنّ المرا د «يأتيهم أمر الله» آيات الله. فجعل مجيء الآيات مجيئا له ؛ على التفخيم لشأن الآيات ؛ لأنه قال قبله : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) ثم ذكر هذه الآية في معرض التهديد ، ومعلوم أنه بتقدير أن يصح المجيء على الله تعالى لم يكن مجرد حضوره سببا للتهديد والزّجر ، وإذا ثبت أنّ المقصود من الآية إنّما هو الوعيد والتهديد والزجر ، وجب أن يضمن في الآية مجيء الآيات والقهر والتّهديد ، ومتى أضمرنا ذلك ، زالت الشّبهة بالكلية.
الثاني : أن يأتيهم أمر الله ، كقوله : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) [المائدة : ٣٣] والمراد : يحاربون أولياءه. وقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] والمراد : أهل القرية ، فكذا قوله : (يَأْتِيَهُمُ اللهُ) المراد : يأتيهم أمر الله ، كقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] ، وليس فيه إلّا حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، وهو مجاز مشهور كثير في كلامهم ، تقول : «ضرب الأمير فلانا ، وصلبه ، وأعطاه» وهو إنّما أمر بذلك ، لا أنه تولّى ذلك بنفسه ، ويؤكد هذا قوله في سورة النحل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) [النحل : ٣٣] فصارت هذه الآية مفسرة لتلك الآية ، لأن هذه الآيات لمّا وردت في واقعة واحدة ، لم يبعد حمل بعضها على البعض ، ويؤيّده ـ أيضا ـ قوله بعده : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) والألف واللام للمعهود السّابق ، وهو الأمر الذي أضمرناه.
فإن قيل : أمر الله صفة قديمة ، فالإتيان عليها محال.
وعند المعتزلة : أنه أصوات ، فتكون أعراضا ، فالإتيان عليها ـ أيضا ـ محال.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٤.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٤.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٤.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٨٢.