البعيد إلى القريب بواسطة الرّشاء ، فالمقصود البعيد يصير قريبا ، بسبب الرّشوة.
والثاني : أن الحاكم بسبب أخذ الرّشوة يمضي في ذلك الحكم من غير تثبّت ؛ كمضيّ الدّلو في الرّشاء ، ثم المفسّرون ذكروا وجوها (١)؟
أحدها : قال ابن عبّاس ، والحسن ـ رضي الله عنهما ـ وقتادة : المراد منه الودائع ، وما لا يقوم عليه البيّنة (٢).
وثانيها : أن المراد هو مال اليتيم في يد الأوصياء يدفعون بعضه إلى الحكم ، ليبقى لهم بعضه (٣).
وثالثها : قال الكلبيّ : المراد بالإدلاء إلى الحكّام : هو شهادة الزّور (٤).
ورابعها : قال الحسن : هو أن يحلف ؛ ليذهب حقّه (٥) ؛ كما تقدّم في سبب النّزول.
وخامسها : وهو أن يدفع إلى الحاكم رشوة (٦) ، وهذا أقرب إلى الظاهر ، ولا يبعد حمل اللفظ على الكلّ ؛ لأنها بأسرها أكل للمال بالباطل.
__________________
ـ وهو السفير بينهما ، وهي ، أي : الرشوة : ما يعطى بعد طلبه لها ، ويحرم بذلها من الراشي ليحكم له بباطل ، أو يدفع عنه حقه.
وإن رشاه ليدفع عنه ظلمه ، ويجريه على واجبه ـ فلا بأس به في حقه ، قال عطاء وجابر بن زيد ، والحسن : لا بأس أن يصانع عن نفسه ؛ ولأنه يستفيد ماله كما يستفيد الرجل أسيره ، ويحرم قبوله ، أي : القاضي هدية ؛ لما روى أبو سعيد قال : بعث النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ رجلا من الأزد يقال : ابن اللتبية على الصدقة ، فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي ، فقام النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ ، فحمد الله ـ تعالى ـ ، وأثنى عليه ، ثم قال : «ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول : هذا لكم وهذا أهدى إليّ ، ألا جلس في بيت أبيه ، فينظر أهدي إليه أم لا ، والذي نفس محمد بيده ، لا نبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا ، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطية ، فقال : اللهم بلغت ثلاثا» وقال كعب الأحبار : قرأت فيما أنزل الله ـ تعالى ـ على أنبيائه : الهدية تفقا عين الحكم ، بخلاف مفت ، فلا يحرم عليه قبول الهدية ، وهي أي : الهدية : الدفع إليه ابتداء من غير طلب ، وظاهره أنه يحرم على القاضي قبول الهدية ، ولو كان القاضي في غير عمله ؛ لعموم الخبر ، إلا ممّن كان يهدي إليه قبل ولايته ، إن لم يكن له أي : المهدي حكومة ؛ لأن التهمة منتفية ؛ لأن المنع إنما كان من أجل الاستمالة ، أو من أجل الحكومة ، وكلاهما منتف ، أو كانت الهدية من ذي رحم محرم منه ، أي : من الحاكم ؛ لأنه لا يصح له أن يحكم له ، هذا واضح في عمودي نسبه ، دون من عداهم من أقاربه ، مع أنه يحتمل أن يهدي ؛ لئلا يحكم عليه.
ينظر : تحقيقنا في كتاب «تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية».
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٠١.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٣ / ٥٥٠) عن ابن عباس وذكره الرازي في «تفسيره» (٥ / ١٠١).
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٠١.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٠١.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٠١.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٠١.