جائز أن يكون تطوّعا ؛ لأنه قال في آخر الآية الكريمة : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة : ١٧٧] ، وقف التقوى عليه ، ولو كانه تطوّعا ، لما وقف التقوى عليه ، وإذا ثبت أنّه واجب ، وأنه غير الزكاة ، ففيه أقوال :
أحدها : أنه عبارة عن دفع الحاجات الضّروريّة ؛ مثل : إطعام المضطرّ ؛ ويدل عليه قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا ، وجاره طاو إلى جنبه»(١).
وروي عن فاطمة بنت قيس : «إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة» (٢) ثم تلت (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ).
وحكي عن الشّعبيّ أنّه سئل عمّن له مال ، فأدى زكاته ، فهل عليه سواه؟ فقال : نعم ، يصل القرابة ، ويعطي السائل ، ثم تلا هذه الآية الكريمة.
وأيضا : فلا خلاف أنه إذا انتهت الحاجة إلى الضّرورة ، وجب على النّاس أن يعطوه مقدار دفع الضّرورة.
فإن قيل : الزّكاة نسخت الحقوق الماليّة.
فالجواب : أنّه ـ عليهالسلام ـ قال : «في المال حقوق سوى الزّكاة» (٣) ؛ وقول الرسول أولى ، وأجمعت الأمّة على أنه يجب أن يدفع إلى المضطرّ ما يدفع به الضّرورة ، وإن سلّمنا أن الزكاة نسخت كلّ حقّ ، فالمراد أنّها نسخت الحقوق المقدّرة ، أمّا الذي لا يكون مقدّرا ، فغير منسوخ ؛ بدليل أنه يلزم النفقة على الأقارب ، والمماليك.
__________________
(١) أخرجه أبو يعلى (٥ / ٩٢) رقم (٢٦٩٩) والبخاري في الأدب المفرد (١١٢) وفي «التاريخ الكبير» (٥ / ١٩٦) والحاكم (٤ / ١٦٧) والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٠ / ٣٩١ ـ ٣٩٢) من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨ / ١٧٠) وقال : رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات.
وله شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ : ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.
أخرجه البزار (١١٩ ـ كشف) والطبراني كما في «مجمع الزوائد» (٨ / ١٧٠) وقال الهيثمي : وإسناد البزار حسن.
ولفظ البزار : ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره طاوي.
(٢) أخرجه الترمذي (٢ / ٢٢) رقم (٦٥٩ ، ٦٦٠) وابن ماجه (١٧٨٩) والدارمي (١ / ٣٨٥) والدراقطني (٢ / ١٢٥) والبيهقي (٤ / ٨٤) والطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣).
وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وابن مردويه.
وقال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك ، أبو ميمون الأعور يضعف وقال البيهقي : وهذا حديث يعرف بأبي حمزة ميمون الأعور ، كوفي ، وقد جرحه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ومن بعدهما من حفاظ الحديث.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٤٢) عن الشعبي.