وقيل : لم يعتدّ بها كما لم يعتد بموت من أماته في الدنيا ، ثم أحياه في الدنيا.
وقيل : كنتم أمواتا في ظهر آدم ، ثم أخرجكم من ظهره كالذّرّ ، ثم يميتكم موت الدنيا ، ثم يبعثكم.
وقيل : كنتم أمواتا ـ أي نطفا ـ في أصلاب الرجال ، وأرحام النساء ، ثم نقلكم من الأرحام فأحياكم ، ثم يميتكم بعد هذه الحياة ، ثم يحييكم في القبر للمسألة ، ثم يميتكم في القبر ، ثم يحييكم حياة النشر إلى الحشر وهي الحياة التي ليس بعدها موت.
قال القرطبي : فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات ، وثلاث إحياءات ، وكونهم موتى في ظهر ابن آدم ، وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفا في أصلاب الرجال ، وأرحام النساء ، فعلى هذا تجيء أربع موتات وأربع إحياءات.
وقد قيل : إن الله ـ تعالى ـ أوجدهم قبل خلق آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كالهباء ، ثم أماتهم ، فيكون على هذا خمس موتات ، وخمس إحياءات ، وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا دخلوا النّار ، لحديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشّفاعة ، فجيء بهم ضبائر ضبائر ، فبثّوا على أنهار الجنّة ثم قيل : يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل» (١) الحديث.
قال : فقوله : «فأماتهم الله» حقيقة في الموت ، لأنه أكّده بالمصدر ، وذلك تكريما لهم.
وقيل : يجوز أن يكون «أماتهم» عبارة عن تغييبهم عن آلامها بالنوم ، ولا يكون ذلك موتا على الحقيقة ، والأول أصح ، وقد أجمع النحويون على أن الفعل إذا أكّد بالمصدر لم يكن مجازا ، وإنما هو على الحقيقة ، كقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقيل : المعنى : وكنتم أمواتا بالخمول ، فأحياكم بأن ذكرتم ، وشرفتم بهذا الدين ، والنبي الذي جاءكم ، ثم يميتكم فيموت ذكركم ، ثم يحييكم للبعث.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الصحيح : ١ / ١٧٢ ـ ١٧٣ كتاب الإيمان (١) باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار (٨٢) حديث رقم (٣٠٦ / ١٨٥).
وابن ماجه في السنن (٢ / ١٤٤١) كتاب الزهد باب ذكر الشفاعة حديث رقم (٤٣٠٩) ـ وأحمد في المسند (٣ / ٥ ، ١١).
والدارمي في السنن ٢ / ٣٣٢ ـ والحاكم في المستدرك (٣ / ٦١٩) وابن عساكر ٦ / ١١٠ ـ وذكره القرطبي في التفسير ١ / ٢٥٠ ، ٥ / ٥٤ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٩٥٢٩.