والظاهر أنّ جهة المبالغة فيهما مختلفة ؛ فمبالغة «فعلان» من حيث : الامتلاء والغلبة ، ومبالغة «فعيل» من حيث : التكرار والوقوع بمحالّ الرحمة.
وقال أبو عبيدة (١) : وبناء «فعلان» ليس كبناء «فعيل» ؛ فإنّ بناء «فعلان» لا يقع إلّا على مبالغة الفعل ، نحو : «رجل غضبان» للممتلىء غضبا ، و «فعيل» يكون بمعنى «الفاعل ، والمفعول» ؛ قال الشّاعر : [الطويل]
٣٣ ـ فأمّا إذا عضّت بك الحرب عضّة |
|
فإنّك معطوف عليك رحيم (٢) |
ف «الرّحمن» خاصّ الاسم ، عامّ الفعل ، و «الرّحيم» عامّ الاسم ، خاصّ الفعل ؛ ولذلك لا يتعدّى «فعلان» ويتعدّى «فعيل».
حكى ابن سيده (٣) : «زيد حفيظ علمك وعلم غيرك».
والألف واللام في «الرّحمان» للغلبة كهي في «الصّعق» ، ولا يطلق على غير الباري ـ تعالى ـ عند أكثر العلماء ـ رحمهمالله تعالى ـ لقوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الإسراء : ١١٠] فعادل به ما لا شركة فيه بخلاف «رحيم» ، فإنه يطلق على غيره ـ تعالى ـ قال في [حقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ](٤) : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨].
وأما قول الشاعر في [حقّ](٥) مسيلمة الكذّاب (٦) ـ لعنه الله تعالى : [البسيط]
__________________
(١) ينظر مجاز القرآن : ١ / ٢١.
(٢) البيت لعملس بن عقيل. ينظر الحماسة : ٢ / ١٥٨ ، واللسان : (رحم) ، والقرطبي : ١ / ٧٤ ، والبحر : ١ / ١٢٥ ، والدر : ١ / ٦١.
(٣) علي بن إسماعيل ، المعروف بابن سيده ، أبو الحسن ، إمام في اللغة وآدابها ، ولد ب «مرسية» (في شرق الأندلس) سنة ٣٩٨ ه ، وانتقل إلى «دانية» فتوفي بها سنة ٤٥٨ ه ، كان ضريرا (وكذلك أبوه) ، واشتغل بنظم الشعر مدة ، وانقطع للأمير أبي الجيش مجاهد العامري ، ونبغ في آداب اللغة ومفرداتها ، فصنف : «المخصص» ؛ وهو من أثمن كنوز العربية ، و «المحكم والمحيط الأعظم» ، و «شرح ما أشكل من شعر المتنبي» ، و «الأنيق» في شرح حماسة أبي تمام وغير ذلك. ينظر الأعلام : ٤ / ٢٦٤ ، ابن خلكان : ١ / ٣٤٢ ، وبغية الملتمس : ٤٠٥ ، وإنباه الرواة : ٢ / ٢٢٥.
(٤) في أ : حق نبيه عليهالسلام.
(٥) سقط في أ.
(٦) أبو ثمامة مسليمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي متنبىء ، من المعمرين ، ولد ونشأ ب «اليمامة» بوادي حنيفة ، في نجد ، تلقب في الجاهلية ب «الرحمن» ، وعرف ب «رحمان اليمامة» ، وقد أكثر مسليمة من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن ، وكان مسيلمة ضئيل الجسم ، قالوا في وصفه : كان رويجلا ، أصيغر ، أخينس ، ويقال : كان اسمه «مسلمة» ، وصغره المسلمون تحقيرا له. قتل سنة ١٢ ه في معركة قادها خالد بن الوليد ـ في عهد أبي بكر الصديق ـ للقضاء على فتنته. ينظر ابن هشام : ٣ / ٨٤ ، والروض الأنف : ٢ / ٣٤٠ ، والكامل لابن الأثير : ٢ / ١٣٧.