إن اعتماد هذا المنهج عند بعض المستشرقين أوقعهم في كثير من الأخطاء ، فمن هؤلاء المستشرقين «فلهاوزن» وعدد من رفاقه الذين اعتبروا الحركة الإسلامية إقليمية لأهل مكة فقط وأنها لم تنتقل للمرحلة العالمية ـ في العصر المدني ـ إلا بعد أن أتاحت لها الظروف لذلك ، ولم يكن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليفكر بذلك من قبل.
وقد رد «سيرتوماس أرنولد» هذه الدعوى بقوله : (من الغريب أن ينكر بعض المؤرخين أن الإسلام قد قصد به مؤسسه في بادئ الأمر أن يكون دينا عالميا برغم هذه الآيات البينات ..) (١).
١٤ ـ استنباط الأمر الكلي والقواعد الكبرى من الحوادث الجزئية والمسائل الفرعية ، فنتج عن ذلك أخطاء جسيمة ، ومفارقات عجيبة من ذلك ما بنى عليه بعض المستشرقين على وجود بعض الكلمات في القرآن المتشابه ببعض اللغات الأخرى على أن القرآن ليس عربيا ومصدره لغات وديانات شتى.
وكذلك كان من وراء مزاعمهم هذه إيجاد فجوة بين بيان القرآن وبين لغة الكتابة العربية لتستعجم الألسنة ، ولينقطع الطريق لفهم الإسلام.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف توالت دعوات المستشرقين لعدم التمسك بهذه اللغة وعدم اعتبارها مقدسة ؛ فدعوا للعاميات وللكتابة بالحروف اللاتينية وترك الإعراب زعما أن ذلك أيسر على الأجنبي في تعلم العربية.
وكان منهم المستشرق الفرنسي «ماسينيون» والمستشرق «مارجليوث» البريطاني اليهودي و «وليم ويلكوكس» ، و «ويلمور» ، وغيرهم كثير (٢). وقد تبنى هذه الدعوة من أبناء العربية مجموعة من تلاميذ الاستشراق ـ سبق أن ذكرت بعضهم ـ وكزعم أن تأخر كتابة السنة كان سببا لإضعاف الثقة فيها فدخلها الوضع والكذب.
__________________
(١) الإسلام والمستشرقون ص ١٢٩.
(٢) الإسلام والمستشرقون ـ عدد خاص صادر عن ندوة العلماء لكنهو في الهند ص ٨٣ ـ ٩١.