يرى هؤلاء الأعلام أنّ هذه المسألة من الحقائق القرآنيّة الثابتة والواضحة ، فإنّ العمل له صورة ظاهريّة وصورة باطنيّة تمثّل الحقيقة المطلقة ، فالناس يدركون ظاهر الأشياء ولا يَصِلون إلى المضمون الحقيقيّ إلّا بعد الرحيل عن هذه الدنيا. إنّ بواطن الإعمال ومضامينها لا تظهر ولا تدركها الحواس ، بل هي من اختصاص عالم الروح.
ورد في الحديث الشريف : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا (١).
إنَّ ملك الموت واحد ، ولكنّه يتمثّل للمؤمن في أحسن صورة وأطيب ريح ، ويتمثّل للكافر في صورة مهولة مرعبة مخيفة ، إنّ حسنات الإنسان وأعماله الصالحة تتجسّم بالمواهب والنعم والفيوضات والجمال والروعة والرحمة ، أّمّا سيّئاته فتتجسّم بالصور المؤلمة والمشاهد المرعبة.
قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (٢).
إنّ هؤلاء ظاهراً يأكلون الأموال ويتلذّذون بها ، ولكنّ باطن العمل هو أكلهم النار ، فالظاهر يبعث النشوة واللذّة ، ولكن الباطن مؤلم.
وقال الله سبحانه : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (٣).
إنّ كفر هؤلاء وعنادهم وتحدّيهم للرسول والرسالة جعل منهم وقوداً لنار جهنّم. ولو دقّقنا النظر في المعنى ، فهؤلاء بمثابة الوقود الذي يعطي الحرارة لغيره ، فهو يحترق ويُحرق غيره ، وهذا من بواطن الأعمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ خصائص الأئمّة عليهم السلام : ١١٢.
٢ ـ النساء : ١٠.
٣ ـ البقرة : ٢٤.