إبراهيم عليه السلام
بقوله : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُّنِيبٌ)
.
يعني رَجَاعٌ إلى الله ، لا نظر له
للدنيا ، وعلى قدر يقين العبد يكون إخلاصه وتقواه ، وهذه الأحوال الصحيحة توجب
لصاحبها حالاً يراها بين اليقظة والنوم ، ويحصل باليقين ارتفاع معاوضات الوساوس
النفسيّة لأنّه رؤية العيان بحقائق الإيمان ، وهو أيضاً ارتفاع الريب بمشاهدة
الغيب ، وهو سكون النفس دون جَوَلان الموارد ، ومتى استكمل القلب بحقائق اليقين ، صار
البلاء عنده نعمة ، والرخاء مصيبة حتّى أنّه يستعذب البلاء ، ويستوحش لمطالعة
العافية .
أُنظر قوله تعالى : (وَكَذَٰلِكَ
نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ
الْمُوقِنِينَ)
.
إنّ (ملكوت) صيغة مبالغة من المُلك جاءت
للتأكيد ، والمراد به السلطنة الإلهيّة المطلقة على مفاصل الكون ومفرداته ، وملكيته
له سبحانه ملكاً حقيقيّاً لا زوال له ، ولا تأثير لغيره فيه ، وبعد هذه الرؤية
التي كتبها الله لإبراهيم عليه السلام رفعه إلى درجة اليقين.
قال صاحب «الميزان» قدس سره ما نصّه : الآيات
ـ كما ترى ـ تعلّل المُلك بالخلق ، فكون وجود الأشياء منه ، وانتساب الأشياء
بوجودها وواقعيّتها إليه تعالى هو الملاك في تحقّق ملكه ، وهو بمعنى ملكه الذي لا
يشاركه فيه غيره ، ولا يزول عنه إلى غيره ، ولا يقبل نقلاً ولا تفويضاً يغني عنه
تعالى وينصب غيره مقامه.
وهذا هو الذي يُفسَّر به معنى الملكوت
في قوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ
شَيْئًا أَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ