بهلاكه فعلاً ومستقبلاً فغيره سبحانه محكوم بالهلاك في جميع الأزمان ، والاية الثانية ـ لو قلنا بأنّ المراد بكلماته هو أفعاله ـ ناظرة إلى أنّ كل ممكن حقّ لكن بإحقاقه سبحانه ، إذ هو الذي يعطي الوجود والثبوت.
وللحكيم الفارابي كلام لا بأس بنقله : يقال : حقّ : للقول المطابق للمخبر عنه ، إذا طابق القول ، ويقال : حقّ للموجود الحاصل بالفعل ، ويقال : حقّ للموجود الذي لا سبيل للبطلان إليه ، والأوّل تعالى حقّ من جهة المخبر عنه ، حقّ من جهة الوجود ، وحقّ من جهة أنّه لا سبيل للبطلان إليه. لكنّا إذا قلنا : إنّه حقّ فلأنّه الواجب الذي لا يخالطه بطلان ، وبه يجب وجود كل باطل.
ألا كل شيء خلا الله باطل |
|
وكل نعيم لا محالة زائل (١) |
وبذلك خرجنا إلى هذه النتيجه أنّه سبحانه حقّ على الاطلاق ، وأمّا الممكن فبما أنّه يفقد الوجود من صميم الذات فهو باطل ، وبما أنّه متصف بالوجود الظلّي والثبوت التبعي فهو حقّ ، ولعلّ إلى بعض ما ذكرنا يشير قول لبيد الذي تقدّم آنفاً.
هذا حال الواجب والممكن وقد عرفت أنّ الأوّل حقّ مطلق ، والثاني حقّ من جهة وباطل من جهة اُخرى ، وأمّا الممتنع فهو الباطل المحض ، ليس له منه حظ.
قال بعض المحقّقين : كل ما يخبر عنه فأمّا باطل مطلقاً ، وأمّا حقّ مطلقا ، وأمّا حقّ من وجه وباطل من وجه ، فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقاً ، ولا حقيقة له أصلاً ، فإنّ الحقيقة هي التي بها ذو حقيقة ، حقّ وثابت ، لا يمكن انكاره وهي خصوصيّة وجوده الذي يثبت له ، والواجب بذاته هو الحق مطلقاً ، والممكن بذاته الواجب بغيره فهو حقّ من وجه وباطل من وجه آخر ، فهو من حيث ذاته لا وجود له ، ومن حيث استفادة الوجود من غيره موجود ، فهو من هذا الوجه حقّ وثابت له حقيقة ينتهي إليها وأصل ينبعث منه ويجب وجوده به ويظهر بنوره الظاهر المظهر له
__________________
(١) شرح الأسماء الحسنى : ص ٢٧١.