من أولئك الذين
تربطهم به بعض العلاقات الزبونية ، وجميع هؤلاء ينتمون إلى طبقته الاجتماعية. وحتى
لا يلحق الصفار بنفسه ولا بولي نعمته عبد القادر أشعاش أي خزي أو أذى ، كان عليه
بذل قصارى جهده لتحقيق أفضل النتائج الممكنة. فكان لا بد له من أن يظهر عبر أسلوب
كتابته وروايته لمختلف فصول الرحلة ، كل الخصال الحميدة التي كان يتصف بها كخاصية
الوقار والاطلاع الواسع ، والحرص على سلامة الأفكار من العيوب الإيديولوجية ، حتى
يضمن لها أوفر حظوظ القبول لدى العناصر المكونة للوسط المخزني في مستوياته
المركزية. علاوة على ذلك ، كان عليه أن يحرر تقريره عن الرحلة بأسلوب أدبي رفيع
يعكس مدى تمكنه من ناصية اللغة العربية وأسرارها.
فما هي عناصر
الأسلوب التي منحته المزايا الرفيعة المطلوبة؟ أولا وقبل كل شيء ، هناك القرار
الذي اتخذه الصفار لصياغة تقريره في قالب الرحلة ، وهي من الأجناس الأدبية ذات
الأصول العريقة في التقاليد الكلاسيكية. وإذا كانت الكتابات المتعلقة بالرحلات
معروفة منذ أزمنة بعيدة وفي أماكن عديدة ، فإن ذلك الجنس الأدبي قد عرف نموه بصورة
زاهية في كل من الأندلس وبلدان المغارب.
وبفعل الإيمان
العميق لسكان المغرب ، وبعدهم الجغرافي عن منابع الإسلام الأولى في شبه الجزيرة
العربية ، كانوا حريصين أشد الحرص على أداء فريضة الحج. وكانت الروايات الخاصة
بالرحلات الحجازية ، التي يشارك فيها الحاج مغامرته مع الآخرين ، نموذجا مثاليا للقصة
ذات الطابع القدسي. ويتم المرور فيها بالمراحل التالية التي تعتبر أبرز المحطات
المكونة للبنية السردية للحكاية : بداية من التوسل والتضرع إلى الله ، إلى مراحل
الرحلة ، ثم المخاطر التي صودفت أثناء الرحلة ، وأخيرا بلوغ الهدف المنشود الذي
كان يبدو بعيد المنال في البداية. وكان الوصول إلى الديار المقدسة من أكثر الأمور
إثارة للمشاعر ، إذ تنضوي تحته كل وقائع الرحلة. ويعطي بلوغ ذلك الهدف شكلا ومغزى
حقيقيا للرحلة ، فيجعلها تكتسي دلالات فعلية بشكل لا يمكن أن يتأتى تحقيقه في حالة
الاقتصار على رواية ذات طابع كرونولوجي بسيط. وعلى مستوى الزمن ، فإن أدب الرحلة
قد يمتد ليشمل روايات تتعلق برحلات مخصصة لأغراض أخرى ، كالتوجه بعيدا طلبا للعلم
، أو الذهاب في بعثة سفارية في إطار مهمة دبلوماسية. غير أن أفضل نموذج للرحلة
وروايتها على الإطلاق هو الكتابات المتعلقة بالرحلات الحجازية نحو الديار المقدسة.