خلال صفحات الرحلة
قد كانتا أيضا من الصفات المطلوبة في الأوساط المخزنية ، وأن ما اتصف به الرجل من
ذكاء ولباقة سبق أن مكناه من إيجاد الطريق التي أدت به إلى فرنسا ، قد كانت كذلك
من بين المزايا المطلوبة أيضا في حاشية البلاط السلطاني. لكن ، حتى يمكننا اكتشاف
خصوصيات الرجل وتجربته الفريدة ، فإننا ملزمون بالعودة إلى الرحلة ذاتها. وكما أن
الحديث عن فصول حياة محمد الصفار يعزز فهمنا لمضمون رحلته ، كذلك ستساهم قراءتنا
لمتن الرحلة في تعميق معرفتنا بجوانب إضافية من حياته.
صدفة اللقاء مع
الجديد
تكمن أهمية رحلة
الصفار إلى فرنسا ودلالاتها العميقة ، في ما تتميز به من فرادة وطابع عالمي. وقد
انبعث ، من خلال صفحات الرحلة ، صوت من الماضي حيا بكل ما في الكلمة من معنى ،
ليتيح لنا فرصة الدخول إلى عالم يبدو اقتحامه أمرا عسيرا. وإذا كانت قيمة الكتابات
الخاصة بالرحلات تكمن في حرفيتها وفي ما تتميز به من «إحالة مستمرة على الحاضر» ، فإننا نجد أنفسنا هنا أمام ما هو واقعي.
إن الواقعة المشعة
، والانطباع القائم على أساس سذاجة مستبصرة يحتويان في داخلهما على جانب روائي
إنساني. ونتيجة لمعرفتنا المحدودة بالعصر ، وفي غياب أصوات أخرى تتكلم بوضوح مماثل
، فإن خصوصيات الرحلة هي التي ستوسع درجات فهمنا.
غير أن الرحلة
تضرب أيضا على أوتار تتجاوز ما هو واقعي ، وخاصة حينما يفحص النص بنظرات وعيون
أخرى غير النظرة التاريخية الصرفة. وأقترح في هذا القسم ، تقديم بعض الطرق الهادفة
إلى تأويل رحلة الصفار التي تنطوي على مستويات عميقة المعاني. وكانت لدى
الأنثروبولوجيين تبصرات بطبيعة التجربة المكتسبة من خلال الرحلات ، كما أسهب
النقاد الأدبيون في الحديث عن بنية
__________________