معرفة الأشياء
بالتقليد ، بل يبحثون عن أصل الشيء ويستدلون عليه ويقبلون فيه ويردون. ومن
اعتنائهم بذالك ، أنهم كلهم يعرفون القراءة والكتابة ، ويدونون في الكتب كل شيء.
حتى الصنائع فلا بد أن يكون الصانع يعرف الكتابة والقراءة ليتقن صنعته ، ويجب أن
يبتدع في صنعته شيئا لم يسبق به. ولأنه إن فعل زادت مرتبته وعلت حظوته عند دولتهم
، ويعطونه على ذالك ويمدحونه ويذكرونه بما استنبط ، ترغيبا منهم في الترقي في
الأمور. فيكون كل شيء دائما في الزيادة ، فذالك يحملهم على تدقيق النظر وإمعان
التأمل ، واستكشاف دقائق الخفيات في سائر تصرفاتهم. ولهم مدارس ومكاتب ، حتى في
علوم الطبخ والغرس والبناء والزراعة ومعالجة النباتات وإنتاج الحيوانات وغير ذالك.
فكل ما يسمعونه أو يرونه أو يستنبطونه أو يبلغ إليهم علمه ، يدونونه في الدواوين
ويحفظونه على مر الأيام.
ومن طبعهم الخفة
والطيش ، فتجدهم إذا اجتمعوا في موضع لا يقر لهم قرار ، ولا تراهم إلا بعضهم يموج
في بعض. ولا يجلسون إلا في حالة الأكل ، وبعد الفراغ منه يقومون. والجلوس عندهم
عيب ولا يجلس إلا النساء ، ولو أدى إلى وقوفه طول اليل إن كان اجتماعهم لفرجة أو
رقص. وإذا أراد أحدهم الجلوس والاستراحة ، فيذهب لبيت آخر خاليا من الناس ، إلا إن
قصد مثل قصده. وما رأينا رجالهم يجلسون في ليالي الفرجة إلا في التياتروا حين
اللعب ، فإذا قضيت اللعبة قاموا.
وتجدهم في أزقتهم
وطرقهم ومحال تماشيهم إذا لم يكن لم شغل ، كل واحد يأخذ بيد صاحبه أو صاحبته
ويجعلون يتماشون ذاهبين راجعين جادين في المشي كأنهم يريدون حاجة ، وما مقصودهم
إلا الحديث والاستراحة. وربما فعل ذالك الواحد وحده ، ويقولون إن في ذالك عونا لهم
على التفكر واستخراج خبايا العقل واستنباط الأمور والتدبيرات ، وقد جرب ذالك فصحّ.
ومن طبعهم أنهم
يحبون من كان خفيف الحركة طلق الوجه مبدي البشاشة ، كثير الكلام بالمباسطة أو
السؤال عما يبغى السؤال عنه ، أو البحث في العلوم أو نحو ذلك من الأخبار بالمغربات
، والتحدث عن أحوال البلدان وعوائد أهلها. ويميلون كل الميل إلى من هذه صفته وتحصل
لهم به ألفة ، وإن لم تسبق بينهم وبينه معرفة ، وإن كان كلامهم معه بواسطة ترجمان
مثلا ، ويستثقلون من يكون بضد ذالك ، وتنفر منه طباعهم ويبعدون منه.
ومن طبعهم الحدة
والشرارة والأنفة ، فتراهم يتداعون للبراز على أدنى كلمة