أمير المؤمنين [عليّ] رضي الله عنه ـ قال سعد بن أبي وقَّاص : رأيته يوم بدر وهو يقول:
بَازِلُ عامَيْنِ حَدِيثٌ سَنِّي |
|
سَنَحْنَحُ اللّيل كأنيَ جِنِّي |
لمثل هذا وَلَدَتْني أمي |
|
ما تَنْقِمُ الحربُ العَوَانُ مِنِّي |
[* سَنَحْنَحُ اللَّيْلِ كأنّيَ جِنِّي (١) *] |
وروي :
*سَمَعْمَع كأنَّني من جِنّ *
. بازلُ عامين : هو البعير الذي تمّتْ له عشر سنين ، ودخل في الحادية عشرة فبلغ نهايتَه في القوة ، وهو الذي يقال له : مُخْلِفُ عَام ؛ والمعنى : أنا في استكمال القوة كهذا البعير مع حَدَاثَةِ السن.
السَّنَحْنَح والسَّمَعْمَع مما كُرّر عينه ولامه معاً ، وهما من سَنَح وسَمِع. فالسَّنَحْنَح : العريض الذي يَسْنَح كثيراً ، وإضافته إلى الليل على معنى أنه يُكْثِرُ السُّنوح فيه لِأَعدائه والتعرّض لهم لجَلَادته. والسَّمَعْمَع : الخفيف السريع في وَصف الذئاب ، فاستُعير ، والذئب موصوف بحدّة السمع ، ولهذا قيل لولده من الضَّبُع : السِّمْع ، وضُرِب به المثل فقيل : أَسْمَع من سِمْع.
السنّ : أُنِّثت في تسمية الجارحة بها ، ثم استُعيرت للعُمْر ، للاستدْلال بها على طُولهِ وقِصَره ، فقيل : كَبِرَتْ سني ؛ مُبْقَاة على التّأْنيث بعد الاستعارة ، ونظيرُها اليد والنار في إبقاء تأنيثهما بعدما استُعيرنا للنِّعْمة والسِّمَةِ.
وقوله : حديثٌ سنّي ، كما يقال : طلع الشمس ، واضطرم النار ؛ لأن «حديث» معتمد على «أنا» المحذوف وليس بخبرٍ قُدِّم.
خفّف ياءُ «جنِّي» ضَروةً ، ويجوز في القوافي تخفيفُ كلّ مشدد ومثله قوله :
*أصحوتَ اليومَ أم شاقَتْك هِرْ (٢) *
خالف بين حَرْفَيِ الرويّ ؛ لتقارب النون والميم ، وهذا يسمّى الإكْفَاء في عِلم القَوَافي ، ومِثْلُه:
__________________
(١) الرجز لعلي بن أبي طالب في ديوانه ص ١٩٢ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٩٠ (نقم) ، ولأبي جهل في جمهرة اللغة ص ٦١٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٢٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٤٧ ، ولسان العرب ١١ / ٥٢ (بزل) ، ١٣ / ٢١ (سنن) ، ٢٩٩ (غون) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٩٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٠ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٨٢ ، والمقتضب ١ / ٢١٨ ، والممتع في التصريف ٢ / ٦٩٦.
(٢) الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٥ ، والخصائص ٢ / ٣٢٠.