أي دواهٍ وخطوب مختلفة ، وهو بمنزلة عَبادِيد في أنه لم يستعمل واحده ، وقال رجل من كَلْب :
لَحا الله دهراً شرُّه قبل خيرِه |
|
تَقاضى فلم يُحْسِنْ إليَّ التَّقَاضا |
وقال الشَّنْفَرى :
*بَزّني الدهر وكان غشوماً*
وقال يحيى بن زِياد :
عذِيريَ من دهر كأني وترتُه |
|
رهينٌ بحبلِ الوُدِّ أن يتقطَّعَا |
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذمِّه ، وبَيَّن لهما أن الطوارق التي تنزل بهم مُنْزِلُها الله عزّ سلطانه دونَ غيرِه ، وأنّهم متى اعتقدوا الدهر أنه هو المنْزِل ثم ذمّوه كان مرجِعُ المذمَّة إلى العزيز الحكيم ، تعالى عن ذلك عُلُوًّا كبيراً.
والذي يحقق هذا الموضع ، ويفصل بين الروايتين ، وهو أن قَوْلَهُ : «فإن الدهر هو الله». حقيقته : فإن جالبَ الدهر هو الله لا غيرُه ، فوضَع الدّهْرَ موضع جالب الحوادث ؛ كما تقول : إن أبا حنيفة أبو يوسف ، تريد أنّ النهاية في الفقه أبو يوسف لا غيره ، فتضع أبا حنيفة موضع ذلك لشهرته بالتَّناهي في علمه ، كما شهر الدَّهْرُ عندهم بجلْب الحوادث.
ومعنى الرواية الثانية : فإن الله هو الدهر.
فإنَّ الله هو الجالبُ للحوادث لا غير الجالب ، ردّاً لاعتقادهم أن الله ليس من جَلْبِها في شيء ، وأن جالبَها الدهر ؛ كما لو قلت : إن أبا يوسف أبو حنيفة ، كأن المعنى أنه النهاية في الفِقْه لا المتقاصر.
هو : فصل ، أو مبتدأ خبره اسم الله ، أو الدهر في الروايتين.
[دهس] (*) : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ـ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقبل من الحُدَيْبيَةِ فنزل دَهاساً من الأرض ، فقال : مَنْ يَكْلَؤُنا الليلة؟ فقال بلال : أنا ، ثم ذكر أنهم ناموا حتى طلعت الشمس ، فاسْتيقظَ ناس فقلنا : أَهْضِبُوا.
الدَّهْس والدَّهَاس : ما سَهُل ولَانَ من الأرض ، ولم يبلغْ أن يكونَ رمْلاً. قال :
*وفي الدَّهَاسِ مِضْبَرٌ مُواثِمُ (١) *
هضبوا ـ في الحديث : أفاضوا فيه بشدة ، من هَضَبَتِ السماءُ إذا وقع مطرُها وقْعاً شديداً ؛ كرهوا أن يُوقِظُوه ، فأرادوا أن يستيقظ بكلامهم.
__________________
(*) [دهس] : ومنه حديث دريد بن الصمة : لا حَزْنٌ ضَرِسٌ ولا سهلٌ دَهْسٌ. النهاية ٢ / ١٤٥.
(١) البيت في لسان العرب (دهس).