هذا يتضح أن نظرية الأرين هى المسئولة بالذات عن ظهور نظرية الشكل الكمثرى للأرض عند كولومبس ، ومؤداها أنه يوجد فى نصف الكرة الغربى من الأرض وفى مواجهة «قبة الأرين» مركز آخر للأرض على موضع أكثر ارتفاعا من رصيفه الموجود بالجهة الشرقية (٥٣). وهكذا فمهما بدا الأمر غريبا اليوم فإن النظرية الجغرافية العربية قد لعبت دورا ما فى كشف العالم الجديد ، وليس ببعيد أن يكون تأثير هذه النظرية هو الذى دفع دانتى ـ الذى يدين بالكثير للتراث الإسلامى كما أثبت البحث الحديث ـ إلى وضع «المطهر» Purgatory على جبل فى الجانب الغربى من نصف الكرة الجنوبى (٥٤) ، كأنما يعكس بهذا التصورات المسيحية عن وجود الفردوس الأرضى فى أقصى الشرق فى مكان ما وراء البحار (٥٥). هذا ولم تختف نظرية قبة الأرين من الجغرافيا الأوروبية إلّا عقب الرحلات الكبرى حول الكرة الأرضية (٥٦).
ولم تجد النظريات الفلكية والجغرافية الهندية طريقها إلى العرب مباشرة فحسب ، بل وصلتهم أحيانا فى ثوبها الإيرانى. ويتضح هذا بصورة جلية من بعض المصطلحات التى دخلت فى الاستعمال العلمى لدى العرب مبكرا واستمرت باقية فيه ؛ وأحد هذه المصطلحات هو اللفظ الذى يطلق عادة على الجداول الفلكية أعنى بذلك لفظ زيج (وجمعه زيجات ، وزيجة ، وأزياج) ، وأصلها من الفارسية زيگ ، وبالبهلوية زيك (٥٧) ، ويقصد به السدى الذى تنسج فيه اللحمة ، ثم أطلق على الجداول العددية لمشابهة خطوطها الرأسية لخيوط السدى. وثمة تفسير آخر لمؤرخ العلوم الدقيقة عند العرب شوى Schoy وهو أن لفظ زيج من الفارسية زه Za؟h أو زيق Zik بمعنى الوتر والخيط الذى يستعمل فى المقاس (٥٨) ؛ غير أن هذا التفسير لم ينل القبول رغم أنه يجد بعض التعضيد فى كلام للبيرونى ، وذلك أثناء محاولته وضع ترجمة دقيقة للفظ اليونانى «قانون» (٥٩). وقد أطلق لفظ زيج عند العرب على أى مصنف فلكى بجداوله ، أما الجداول نفسها فقد حملت أحيانا الاسم العربى «جداول» (جمع جدول) Tables ، كما استعمل فى نفس معنى جداول تقريبا اللفظ اليونانى «قانون» الذى وصل إلى العرب على ما يبدو فى شكله السريانى.
وبعض البحاثة أراد أن يبصر آثار النفوذ الشرقى (الهندى ـ الإيرانى) فى أن الأوصاف الأولى للأقاليم السبعة ، التى ربما ساعد على اعتناق نظريتها التصورات الإيرانية عن السبع كشورات (٦٠) ، تورد مناطق كل إقليم ابتداء من الشرق كما لدى الفرغانى مثلا (٦١). ومن المستحيل بالطبع نفى هذا تماما ، رغم أن نظرية الأقاليم السبعة لم تثبت لدى العرب فى الواقع إلا بعد أن كانوا قد تعرفوا على النظريات اليونانية ، وربما حدث ذلك عن طريق السريان أيضا (٦٢).
ومن بين المصنفات الفارسية لم يحدث تأثيرا كبيرا على العلم العربى إبان نشأته إلا مصنف واحد فقط ، لم يكن ذا قيمة كبيرة فى حد ذاته لأنه يقوم على الأرصاد والجداول الهندية لا الفارسية ، وهو المعروف