بحثا وتقصيا. وإذا أمكن القول بأن مجموعات المخطوطات فى المكتبات الأوروبية والأمريكية قد تم فحصها إلا أن هذا القول لا ينطبق بأية حال على المجموعات الشرقية ؛ فقد برهنت الأعوام الأخيرة على أن مجموعات استنبول تبشر بالكثير فى هذا الصدد إذ أن بعض المخطوطات التى تم الكشف عنها هناك قد دعى إلى إعادة النظر فى نشر طبعة جديدة لأجزاء معينة من طبعة كلاسيكية مثل «مكتبة الجغرافيين العرب».
وإلى جانب الثغرات فى المصادر فإنه لمما يعوق استكمال الصورة العامة صعوبة تحديد المادة أو نسبتها إلى فن معين. والعالم العربى الوحيد الذى اجتهد فى أن يفصل بين منهجى الجغرافيا والتاريخ كان عبد الواحد المراكشى من علماء القرن الثالث عشر الميلادى (٥٥) ؛ غير أن هذه كانت حالة استثنائية إذ فى الواقع أن فصل المنهجين كان أمرا عسيرا. وقد كان عدد من المؤلفين مؤرخا وجغرافيا فى آن واحد ؛ ويكفى أن نذكر فى هذا الصدد المسعودى المشهور (توفى عام ٩٥٦). وكثيرا ما تضمنت المؤلفات التاريخية مادة جغرافية ذات بال كما هو الحال مثلا مع كتاب «فتوح البلدان» للبلاذرى (المتوفى عام ٨٩٢). ومن الواضح أن مثل هذه المادة ومثل هؤلاء المؤلفين لا يمكن إغفالهم فى عرض عام للجغرافيا ؛ ولكن هذا سيؤدى بدوره إلى اتساع الموضوع وترامى أطرافه ؛ ونفس هذا القول يصدق على تلك المؤلفات التى تفرد أقساما خاصة للجغرافيا مثل الموسوعات العديدة التى ألفت بمصر فى عهد المماليك. ويضحى من العسير حل المشكلة إذا ما تبعثرت المادة الجغرافية ، وقد أبصرنا كيف أن المصنفات ذات الطابع القصصى أو الشعبى مثل «أسفار السندباد» يجب أن تحتل مكانها فى مصنف عام يعرض لتطور الأدب الجغرافى ، إذ أنها تمثل نمطا قائما بذاته وتتميز بالطرافة. بيد أن جمع المادة الجغرافية المتناثرة فى الفروع المختلفة للأدب العربى يكاد يكون أمرا مستحيلا بل ولا يخدم أى غرض ؛ وكتاب فيران Ferrand الذى جمع فيه الروايات العربية عن الشرق الأقصى خير دليل على أنه يمكن استخراج هذه المادة من المجموعات الأدبية كما يمكن استخراجها أيضا من المصنفات الفلسفية والنباتية ومن المعاجم ومن المؤلفات الاقتصادية (٥٦). ولعله من الممكن أن يضاف إلى هذه القائمة الآثار الشعرية ، بل وربما جميع فنون الأدب الأخرى دون استثناء. ومن الجلى أن تحليل مادة من هذا النوع فى عرض عام أمر غير مستطاع ؛ أضف إلى هذا أن هذه المصادر عندما تضم مادة جغرافية صرفة إنما تنضم إلى المصنفات الجغرافية نفسها لا إلى مصنف فى تاريخ الجغرافيا. لكل هذا فإن كتابنا قد قصد به تقديم عرض عام للأدب الجغرافى العربى لا جمع المادة الجغرافية الموجودة فى اللغة العربية. ويمكن أن يمثل بعض الاستثناء فى هذا الصدد الفترة الأولى السابقة لظهور المصنفات الجغرافية المختلفة ، فهنا يجب دراسة المواد المبعثرة والإشارات العديدة التى أخذت منذ ذلك العهد تحدد اتجاهات تطور فن جديد من الأدب سيظهر فى القرن التالى لذلك. ويهدف كتابنا أساسا تحليل جميع آثار الجغرافيا الوصفية والرحلات ؛ أما الجغرافيا الفلكية فستعالج فقط بالقدر