ومن المؤكد أن الإدريسى لم يجد تحت تصرفه مادة مفصلة عن كل البلاد كما وجد عن البلقان. فمعلوماته عن الروس مثلا إنما هى تكرار لروايات ابن حوقل والجيهانى ، وهو يقسمهم إلى ثلاث قبائل (١٠٧) ، ولا يذكر من مدتهم الكبرى إلى جانب كييف ونوفغورودNovgorod إلا اسمولنسك Smolensk (١٠٨) التى حاول البعض أن يبصر فيها مدينة تموتاركان Tmutarakan. (١٠٩) وقد جاءت روايته على درجة من الضحالة حتى أنها لا تسمح بفهم ألفاظ أحد البحاثة الذى صرح بأن الخوارزمى هو مصدر الإدريسى عن أوروبا الشمالية والشرقية (١١٠).
فإذا ما انتقلنا إلى الأقطار غير الأوروبية فإن الإدريسى لم يكن يعرفها معرفة مباشرة باستثناء أفريقيا الشمالية ، بل ولم يستطع أن يجمع عنها مادة حافلة كالتى جمعها عن أوروبا بفضل استفهاماته وأسئلته المتواصلة. ويجب الاعتراف بأن مادته فى هذا الصدد ليست بذات قيمة تذكر ، بل إن الكثرة الغالبة من البحاثة لا تعترف لها بأية قيمة إطلاقا. ويرى نالينو أن تخطيط بلاد آسيا وأفريقيا غير الإسلامية عند الإدريسى إنما يعتمد على بطلميوس الذى استعمله فى الترجمات والتعديلات العربية (١١١). وإلى هذه النتيجة نفسها وصل مجيك الذى بين أن الإدريسى إنما يعتمد اعتمادا كليا على بطلميوس فى معلوماته عن داخل أفريقيا بحيث يضحى من العسير اعتباره مصدرا مستقلا فيما يختص بتلك المناطق (١١٢). وعلى الرغم من قسوة هذه الأحكام إلا أنه من المستطاع أحيانا تلمّس بعض فوائد معينة لديه ، فبعض مؤرخى الجغرافيا يرى أن الأدريسى فى وصفه لأفريقيا لم يترسم خطى بطلميوس دون وعى ؛ فوصفه لمجرى «النيل الغربى» ، أى نهر النيجيرNiger ، قد وكدت صحته الاكتشافات الجغرافية فى القرن التاسع عشر. وهو على معرفة جيدة بالتجارة مع داخل أفريقيا وقد أورد أسماء المراكز التى ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية فى ذلك الوقت مثل غانا وسلّا وتكرور (١١٣).
أما اعتماده على بطلميوس فيما يتعلق ببلاد الشرق الأقصى فأمر لا يرقى إليه الشك ، وقد أثبت هذه الحقيقة بعد تحليل معلوماته عن الصين مثلا كل من ريختهوفن Richthofen (١١٤) ويول Yule. ومعلوماته عن جنوب شرقى آسيا بما فى ذلك الهند ضحلة للغاية ويشوبها الاضطراب (١١٥) ؛ وكثير من الأسماء الجغرافية فى هذا القسم ترتفع إلى بطلميوس ولكن هناك أسماء أخرى لم يمكن تحديدها بدقة إلى الآن (١١٦). وعلى الرغم من هذا النقد الشديد فإن هذا القسم بدوره لا يخلو من بعض النتائج الإيجابية ؛ وتعليقات فيران على الجزء الخاص بالهند (١١٧) يؤكد إمكانية الحصول على معطيات قيمة فى وصف تلك البلاد ترتفع فى معظمها إلى الجيهانى (١١٨) (١) ، وقد لا يؤدى أحيانا تحليل مادة الإدريسى إلى نتائج قاطعة فالنتف التى أوردها عن الغزGuzz والتى ترجمت منذ عهد غير بعيد (القسم الثامن من الإقليم الخامس) (١١٩)
__________________
(*) نشر وترجم الجزء المتعلق بالهند العلامة الهندى مقبول أحمد الأستاذ بجامعة عليكرة. (المترجم)