روزن. ولعله من الجائز أن يكون قد اطلع على وثائق قرطبة فاستخرج منها المادة اللازمة لوصف بعض الطرق (٣٢). أما الأدب المدون فإنه كان بلا أدنى ريب معروفا له معرفة جيدة ؛ ففى القسم الخاص بالصقالبة نلمس تأثير الجيهانى (٣٣) والمسعودى (٣٤) وابن رسته ، كما أن انتماءه إلى المغرب قد يسر له أحيانا الرجوع إلى مصادر كانت غير معروفة بالمشرق فقد أثبت المستشرق الإسبانى سيمونيت (٣٥) Simonet أن وصفه لجزر الكانارى The Canaries مأخوذ من كتاب «أصول الكلمات» Etymologia الشهير لأيزيدور الإشبيلى Isidorus Seviliensis ، أحد مشاهير أصحاب الموسوعات فى القرن السابع الميلادى (٣٦). ويمكن القول دون تردد بأن المصنف بأجمعه يقوم أساسا على جهد المؤلف الشخصى وأنه يقدم إلى جانب المادة المدونة معلومات عديدة معاصرة له ، وقد كان الكتاب واسع الانتشار أفاد منه ياقوت (٣٧) ورجع إليه كثيرا الدمشقى كوزموغرافى القرن الرابع عشر (٣٨) (١).
أما مصنف البكرى الثانى فى الجغرافيا فقد كان إحياءا للمنهج القديم فى المعاجم الجغرافية الذى يرتفع إلى القرن التاسع ، وهى المعاجم التى وضعها اللغويون. وقد اضمحل هذا النمط فى القرنين التاليين لذلك حتى إنه لم يظهر مصنف ذو بال فى هذا الميدان قبل مصنف البكرى ، لذا فإن معجمه كان إيذانا بفاتحة عهد جديد لازدهار هذا النمط الأدبى. ومن خلال المقدمة تبرز أمامنا واضحة الأفكار الرئيسية التى سيطرت عليه وعلى ممثلى هذا الصنف من المؤلفات الجغرافية ، فهو يقول :
«هذا كتاب معجم ما استعجم ذكرت فيه إن شاء الله جملة ما ورد فى الحديث والأخبار والجبال والآثار والمياه والآبار والدارات والحرار منسوبة محددة ومبوبة على حروف المعجم مقيدة. فإنى لما رأيت ذلك قد استعجم على الناس أردت أن أفصح عنه بأن أذكر كل موضع مبين البناء معجم الحروف حتى لا يدرك فيه لبس ولا تحريف. وقد قال أبو مالك الحضرمى ربّ علم لم تعجم فصوله فاستعجم محصوله. فإن صحة هذا لا تدرك بالفطنة والذكاء كما يلحق المشتق من سائر الأسماء ، وما أكثر المؤتلف والمختلف (٢) فى أسماء هذه المواضع مثل ناعجة وباعجة ونبتل وثيتل ونخلة ونحلة وساية وشاية والنقرة والنّقرة وجند وجند وجسان وحسّان وحبحب وحبحب وسنام وسنام وشبام وسلع وسلع والحوب والحوءب وقرن وقرن وجفاف وحفاف وحتّ وختّ وتريم وتريم وتهامة ونهامة بالنون وخزاز وجرار وحراز. وكذلك ما اشتبه أكثر حروفه نحو سمن بالنون وسمى بالياء وشمام بالميم وسقام بالقاف وشابة بالباء وشامة بالميم ونملى بالنون وقملى بالقاف وخملى بالخاء وجرزان بالزاى وجرذان بالذال وإلاهه وإهالة بتقديم الهاء على اللام والقاعة والقاحة. وقديما صحف الناس فى مثل هذا.
__________________
(*) إن أفضل تحليل لهذا المصنف هو الذى يقدمه الدكتور حسين مؤنس فى مقاله الأصيل «الجغرافيا والجغرافيون فى الأندلس» الذى ظهر بصحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد ، المجلدان السابع والثامن (١٩٥٩ ـ ١٩٦٠). (المترجم)
(**) المؤتلف والمختلف ما تتفق فى الخط صورته وتفترق فى اللفظ صيغته. (المترجم)