العربية فى ميدان الجغرافيا الرياضية والفلكية ، تلك المصطلحات التى مر بنا الكلام عليها عند ذكر المصنفات المرتبطة بالمدرسة اليونانية. ويوجد هذا الباب فى متناول أيدى غير المستعربين بفضل الترجمة التى قام بها قيدمان Wiedemann مؤرخ العلوم عند العرب (١٣٨).
وإذا كان ابن النديم وأبو عبد الله الخوارزمى قد وجها اهتمامهما الرئيسى إلى تصنيف العلوم فإننا نلتقى فى القرن العاشر بعدد لا يستهان به من مصنفات المنهج الأدبى اللغوى التى تمس علم الجغرافيا كذلك. وقد مر بنا فى الفصل الأول من هذا الكتاب كيف أن دراسة الأعلام الجغرافية الموجودة فى النسيب الجاهلى قد دفعت إلى وضع مؤلفات من طراز «كتاب جزيرة العرب» أو «كتاب جبال تهامة» ، والآن فى القرن العاشر وفى عهد العباسيين نبصر ظهور عدد من الكتب الطريفة من طراز «كتب الديارات» التى جمعت فيها الأشعار الوارد فيها ذكر الديارات الشهيرة مع شروح وافية لها. وهى دون ريب لم تجتذب اهتمام المجتمع العربى والشعراء العرب بوصفها أماكن لعبادة المسيحيين ، بل اجتذبتهم بسبب الشهرة التى نالتها فى إنتاج النبيذ وبيعه. ففيها كان يمكن شراء النبيذ الجيد وإقامة مجالس الشراب المقتصرة ، سواء فى بساتين الدير أو فى محلات خاصة بعيدا عن أعين الرقباء من متشددى المسلمين. وفى هذه المجالس كان الشعراء ينشدون أشعارهم ، بل إن المجالس نفسها كانت توصف فى هذه الأشعار بطريقة حية تقدم لنا لوحة دقيقة لحياة ذلك العصر. وكان عدد هذه الديارات كبيرا ، وسرعان ما أحس اللغويون بالحاجة إلى وضع مرجع عام عنها كما فعلوا من قبل مع مواضع الجزيرة العربية الواردة فى الأشعار.
ويمكن الحكم على الاهتمام بهذا الموضوع من أن عدد المصنفات التى من هذا الطراز لا يقل عن العشرين (١٣٩). أما ما حوته من مادة ضخمة حية عن الحياة الثقافية والاجتماعية للعصر فيتضح من ثنايا البحث الذى نشره منذ عهد غير بعيد العلامة العربى حبيب الزيات (١٤٠). ومن المرجح أن البحث الذى وعد به فيشرFischer عام ١٩٢٩ لن يكون أقل أهمية من ذاك (١) (١٤١).
وفى النصف الثانى من القرن العاشر تمتعت ثلاثة من «كتب الديارات» بشهرة خاصة ، وأحدها لمؤلف كتاب «الأغانى» المشهور أبى الفرج الأصفهانى (١٤٢). وترجع معرفتنا بهذه الكتب عادة إلى شذرات متفرقة ، إلا أن واحدا منها وهو للشابشتى معروف لنا معرفة مباشرة بفضل المخطوطة الفريدة الموجودة ببرلين (١٤٣) والتى لا تخلو من السقط. وهناك زعم بوجود مخطوط طريفة مصورة لهذا الكتاب رؤيت فى القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) (١٤٤). أما المؤلف فليست لدينا عنه أية معلومات بخلاف أنه كان أمينا لمكتبة الخليفة الفاطمى العزيز (٣٦٥ ه ـ ٣٨٦ ه ـ ٩٧٥ ـ ٩٩٦)
__________________
(*) توفى فيشر عام ١٩٤٩ ، وليس لنا علم ببحث له فى هذا الموضوع. وهو نفس المشتشرق الألمانى الذى ندين له باللبنة الأولى فى وضع معجم تاريخى للغة العربية. (المترجم)