«هذا فهرست كتب جميع الأمم من العرب والعجم الموجود منها بلغة العرب وقلمها فى أصناف العلوم وأخبار مصنفيها وطبقات مؤلفيها وأنسابهم وتاريخ مواليدهم ومبلغ أعمارهم وأوقات وفاتهم وأماكن بلدانهم ومناقبهم ومثالبهم منذ ابتداء كل علم اخترع إلى عصرنا هذا وهو سنة سبع وسبعين وثلاثمائة للهجرة» (١٢٥).
وقد أراد ابن النديم فيما يبدو للوهلة الأولى أن يقصر مهمته فى الكلام على العلوم «غير الإسلامية» ، فالمسودة الأولى لمصنفه تضم أربع مقالات فقط جمعت إلى جانب المؤلفات العربية الأصلية الترجمات العربية للمصنفات اليونانية والسريانية والفارسية والهندية المعروفة للمؤلف. وقد أفرد المقالة الأولى للفلسفة و «علوم الأوائل» معالجا فيها إلى جانب الفلسفة المنطق والرياضة والطب. أما المقالة الثانية فلأدب الأسمار والخرافات وأساطير الأمم والسحر. وتحوى المقالة الثالثة الكلام على تاريخ الأديان وعن المذاهب والفرق المختلفة ؛ والمقالة الرابعة فى أخبار الكيمائيين. غير أن المؤلف أضاف إلى ذلك فى ذات العام نفسه ست مقالات أخرى كرسها «للعلوم الإسلامية» التى شغلت القسم الأول لما سمّيت «بالمسودة الموسعة». وفيه يرد على التوالى تعداد المصنفات التى تتصل بعلوم القرآن والنحو والتاريخ والشعر والكلام ؛ وقد ظل المؤلف يضيف إلى كتابه إلى بداية القرن الخامس الهجرى تقريبا (التاسع الميلادى). أما عام وفاته فغير معروف لنا. وقد استعمل ياقوت كتاب «الفهرست» فى المسودة الموسعة من عمل الوزير المغربى (المتوفى عام ٤١٨ ه ـ ١٥٢٧) (١٢٦) ؛ ويلوح أنها حظيت بانتشار واسع.
ومن المؤكد أن ابن النديم لم يكن من أصحاب السير بل من جامعى أسماء المصنفات فى فروع العلوم المختلفة (ببليوغرافى (١٢٧)) ، وما خلفه لنا من تراجم الأشخاص نزر يسير إذ أنه لم يلق بالا إلى المؤلفين بقدر ما حصر اهتمامه فى مصنفاتهم ؛ وهو المجال الذى برزت فيه مقدرته بحق. وهو يعالج عددا من المسائل المتعلقة بالكتابات القديمة وبالخط ، وقد نالت ملاحظاته عن كتابات الأمم المختلفة بما فى ذلك الروس (١٢٨) شهرة واسعة وبذلت محاولات شتى لفك طلاسمها. وهو يولى اهتماما خاصا إلى المخطوطات التى وجدت بخط المؤلفين أنفسهم ، وكذلك إلى المكتبات الشخصية والنسخ الممتازة الموجودة بها. وصاحب «الفهرست» على إحاطة تامة بفروع العلوم المختلفة ويمكن الموافقة تماما على رأى بارتولد فى أن هذا الكتاب «سيبقى على الدوام المصدر الرئيسى لمعرفة الأدب والعلم فى القرون الأربعة الأولى للإسلام» (١٢٩).
ولم يفرد للجغرافيا فيه مقالة خاصة ولكن هذا لا يقلل من شأن الكتاب بالنسبة لتاريخ علم الجغرافيا. فالجغرافيا لديه تنضم من ناحية إلى العلوم الرياضية ومن ناحية أخرى إلى التاريخ والأدب. وترد المعلومات عن المصنفات الجغرافية تحت أسماء المؤلفين عادة ؛ وقد أفدنا منها فى معظم الحالات السابقة للقرن العاشر. غير أنه إلى جانب هذا يضم «الفهرست» أحيانا وقائع ذات طابع جغرافى صرف فى غاية من الأهمية ؛ وقد سبق أن ذكرنا روايته لقصص أبى دلف ولقصة الراهب النجرانى الذى زار الصين. ويمكن أن