ليس من العسير أن يتعرف فيه القارئ على اللفظ العربى أنواء (١) (٢).
والفلكيون المتخصصون الذين أفردوا للمنازل القمرية رسائل خاصة قد وقفوا (٣) من مصنفات اللغويين موقف التشكك الذى له ما يبرره ، والفلكى الشهير عبد الرحمن الصوفى (توفى عام ٣٧٦ ه ـ ٩٨٦) كتب يقول بصدد مصنف الدينورى السالف الذكر،وذلك بعد قرن منه :
«ووجدنا فى الأنواء كتبا كثيرة أتمها وأكملها فى فنه كتاب أبى حنيفة الدينورى فإنه يدل على معرفة تامة بالأخبار الواردة عن العرب فى ذلك وأشعارها وأسجاعها فوق معرفة غيره ممن ألفوا الكتب فى هذا الفن. ولا أدرى كيف كان معرفته بالكواكب على مذهب العرب عيانا فإنه يحكى عن ابن الأعرابى وابن كناسة وغيرهما أشياء كثيرة من أمر الكواكب تدل على قلة معرفتهم بها وأن أبا حنيفة أيضا لو عرف الكواكب لم يسند الخطأ إليهم» (٤).
ولقد طغى الاهتمام اللغوى على المنهج الواقعى فى جميع الأحوال المماثلة تقريبا ؛ غير أن مقدار المادة كان من الضخامة بحيث كشف عن نواح أخرى للصورة. ففى بداية القرن التاسع وضع النضر بن شميل (توفى عام ٢٠٣ ه ـ ٨١٨) (٥) ، وهو من أصحاب كتب الأنواء ، ما يشبه موسوعة قائمة بذاتها فى الحياة البدوية بعنوان «كتاب الصفات». وترتيب مادة هذا الكتاب معروف لنا ، رغما من أن بعض عناوين محتوياته الداخلية قد أصابها الخلط والاضطراب. ويضعه ابن النديم ورّاق القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) المشهور كالآتى (٦) :
«كتاب الصفات وهو كتاب كبير ويحتوى على عدة كتب ... الجزء الأول يحتوى على خلق الإنسان والجود والكرم وصفات النساء. الجزء الثانى يحتوى على الأخبية والبيوت وصفة الجبال والشعاب والأمتعة. الجزء الثالث للإبل فقط. الجزء الرابع يحتوى على الغنم الطير الشمس القمر الليل النهار الألبان الكماة الآبار الحياض الأرشية الدلا صفة الخمراء الجزء الخامس يحتوى على الزرع الكرم العنب أسماء البقول الأشجار الرياح السحاب الأمطار».!
يتضح من هذا أن تبويب مادة الكتاب يمكن اعتبارها نموذجا للمؤلفات من هذا النوع ، فهو يحفل بمادة مختلطة تحوى أمشاجا من الجغرافيا الطبيعية والاثنوغرافيا والجغرافيا الحيوية وغيرها تفتقر إلى الكثير من الترابط والانسجام من وجهة نظرنا الحديثة. ويمكن أن نفترض أن طريقته فى العرض تشبه إلى حد كبير مؤلفات اللغويين من نفس الصنف وتتلخص فى سرد ألفاظ كل موضوع على حدة مع توضيحها بشواهد عديدة من أمثلة استعمالها فى الشعر الجاهلى. ومن الجلى أن بعض أوجه الحياة البدوية التى ورد وصفها فى المؤلفات التى من هذا النوع قد عولجت بتفصيل واف. وكتاب النضر هذا الذى لم يصلنا
__________________
(*) واجع فى هذا الصدد : Le Calendrier de Cordue. Publi ـ nar R. Dozy. Nouvelle edition accompagnee d\'une traduction francaise annotee par. Ch. Pellat. Leiden. ١٦٩١.
(المترجم)