فهذا هو مصير أقوى إنسان في الكون ، ثم ماذا يكون مصير سائر الكون ، لنأخذ هنا مثالا من الجبال :
(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) :
(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) (٧٠ : ٨ ـ ٩) .. فيا لها من وقعة قارعة ودكة مفرغة تهزم الجبال فتهزم في هذه المعركة الدامية ، فهذه سماؤه كالمهل : حمراء كالمطلوم المجروح ، وهذه جباله كالعهن المنفوش : الصوف ذو ألوان ، نشر بندف ، فنداف القارعة هكذا يندف وينفش الجبال.
فيا له من مشهد تطير له القلوب ، وترجف منه الأوصال ، وي كأن كل شيء في الكون يطير حول الإنسان هباء ، فما ذا إذا حال الإنسان في الختام :
(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) :
الموازين جمع ميزان وهو ما يوزن به وما يوزن أيضا ، ولا يعنى به هنا وزن الجسد ، وإنما ما به الإنسان إنسان ، من موازين العقل والإيمان وأعمال الإيمان ، وعلى حد تعبير الإمام الصادق (ع) «الموازين هي موازين الإنسانية».
والميزان هو آلة الوزن والقياس ، ما يوزن به الشيء ويقاس ، فإن كان ذلك الشيء جسما فالميزان الجسماني على اختلاف حالات الأجسام فاختلاف موازينها ، فلا يوزن ما يسوى غراما بما يوزن به أطنان ، ولا يوزن النور بما يوزن به سائر الأجسام غير النورانية ، وكما لا توزن الدوائر والقسي أو الحرارة والبرودة أو الأعمدة والخطوط أو الشعر والفلسفة ، لا توزن هذه وأمثالها بالقبّان وغيره من موازين الأثقال المادية.