والآيات الناهية عن استعجاله بالقرآن قبل أن يقضى إليه وحيه : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (٢٠ : ١١٤) (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (٧٥ : ١٦).
ولو كان القرآن المفصل نازلا عليه جمله واحدة ليلة القدر ، لم يكن في قراءته قبل نزوله التدريجي استعجال ، وإنما حكاية عما أوحي إليه ، ونفس ما أوحي إليه ، إضافة إلى تصريحات أخرى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (٢٥ : ٣٢).
وأخيرا لا نحتمل أنه روح النبوة القدسية ، لأنها نزلت عليه منذ بداية الوحي فهل يا ترى إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم تكن له روح النبوة ، بينه وبين ليلة القدر الأولى من سني رسالته ، زهاء خمسين يوما أو يزيد (١)؟
فنحن هنا بين واقعين : واقع نزول القرآن في ليلة مباركة : (حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٤٤ : ٣٦) وهي ليلة القدر : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وهي من رمضان : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (٢ : ١٨٥).
وواقع نزوله نجوما متفرقة طول البعثة خلال ٢٣ سنة كما هو الواضح.
ولا بد أن يختلف النزولان مع بعض ، فهل هو نزوله المفصل مرتين؟ كلا! للدليل المسبق ، سواء أكان نزولا على قلب الرسول في هاتين المرتين ، أم في المرة الأولى إلى بيت المعمور في السماء الدنيا دفعة واحدة ، وفي الثانية على قلب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم نجوما متفرقة (٢) ، وهذه أسطورة لا يقبلها العقل والدين ولا آي
__________________
(١) من ٢٧ رجب إلى ليلة القدر المردة بين ما يأتي.
(٢) في الكافي عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال : نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثم نزل في طول عشرين سنة(نور الثقلين ج ٥ ص ٦٢٤ ج ٥٣). ـ