ثم بوحي القرآن ، ثم بمكافحة المعارضين (١) ، فإن الشرح هو الانفتاح ومقابله الضيق ، والصدر هو صدر الروح ، وهو الوسيط بين العقل والقلب ، يأخذ من العقل وينقل إلى القلب ، وهو في الصدر : (الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) فانشراح العقل وتفتّحه يفضي إلى انشراح الصدر والقلب ، وكذلك ضيقه وعماه إلى ضيقها وعماها : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢٢ : ٤٦) وقد يعبر عن ضيق الصدر أيضا بالانشراح : تفتّحا للكفر : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ) (١٦ : ١٠٦).
فصدر الرسول الأقدس ـ وهو صدر الصدور ـ كان أشرح الصدور بين حملة الرسالات الإلهية ، تلقّى الوحي أكثر ما يمكن ، ولاقى وعانى في سبيل البلاغ أشد ما يمكن ، وهو منشرح الصدر : يستقبل الصعوبات في وعثاء السفر بكل رحابة صدر دون أن يقف لحد.
(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) :
وهذه نعمة أخرى في سلبيتها ، وكونها نعمة تتلو انشراح صدره ، يوحي إلى المعني من وزره ، أنه : ما كان يعانيه صلّى الله عليه وآله وسلّم من الأمور المستصعبة ، والمواقف المخطرة في أداء الرسالة ، وتبليغ النذارة ، وما كان يلاقيه من مضار قومه ، ويتلقاه من مرامي ايدي معشرة ، وكل ذلك حرج في صدره وثقل على ظهره ، فقرره الله تعالى أن أزال عنه تلك المخاوف كلها ، وحط عن ظهره تلك الأعباء بأسرها ، فنجاه من أعدائه ، وفضله على أكفائه وقدم ذكره على كل ذكر ،
__________________
(١) كما تشير إليه الآيات : «كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» (٧ : ٢) «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» (١١ : ١٢) «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» ١٥ : ٩٨).