ثم نجد لهذه
الكلمة اللفتة دلالة باهرة على تمجيد عنصر الأخلاق في ميزان الله ، وأصالته ، كأنه
الكل من الحقيقة الإسلامية ، ولذلك يعلن : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، كأنما
الرسالة المحمدية لا تعني إلا تتميم مكارم الأخلاق.
ليست هذه مبالغة ،
طالما الأخلاق تشمل الفضائل العقائدية والأعمالية والأقوالية ، ومن ثم : فردية
وجماعية ، ثم بين الإنسان ونفسه ، وبينه وبين ربه ، وبينه وبين مجتمعه ، فهل بعث
النبيون إلا لهذه ، طالما اختصت لغة الأخلاق الحسنة بزاوية خاصة منها هي تحسين
العشرة؟ وهي السجايا الفاضلة : المدركة بالبصيرة ، ومن ثم : الظاهرة بالبصر.
فللأخلاق معنى عام
، وآخر خاص ، والأول هو المعني من غاية البعثة المحمدية تكميلا.
(فَسَتُبْصِرُ
وَيُبْصِرُونَ. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) : مهما كنت بصيرا بحالك القدسية ، وانك كل العقل وكلك عقل
، وإن مناوئيك كل الجنون وكلهم مجانين ، فأنت أنت تبصر دونهم (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) : في المستقبل مع بعض ، يبصرون كما تبصر (بِأَيِّكُمُ) العقل (الْمَفْتُونُ) : المبتلى بالجنة ، وبأيكم العقل المتحلل عما يحجبه ،
المتفتح بما يشرحه ويكشفه ، فسوف يكون الإبصار مليا يوم الدنيا لمن يبصر ، وعاليا
يوم البرزخ إذ يكشف الغطاء ، وأعلى يوم الحشر إذ لا يبقى خفاء ، ولات حين مناص.
إن تقولاتهم
المجنونة ليست عن جنون خلقي يرفع التكليف ، إنما بما جننوا أنفسهم وختم الله على
قلوبهم : (فَلَمَّا زاغُوا
أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) : فما أجهل من يحسب المهتدي الهادي ضالا ، ويحسب نفسه
الضالة مهتديا ، وما أحلى من يعلم الضال عن المهتدي ، مهما أخطأ أحيانا في قدرهما
أو مواضعهما ، وما أعظم علم الله بهما وبكل شيء ، إذ لا يعزب عن علمه شيء في الأرض
ولا في السماء! فالضال