ان القرآن قول ثقيل لعظم قدره ، ورجاحة فضله ، وخلوده ، دون أن يمسه نسخ أو تحريف ، وقد يثقل الأمة المتمسكة بحبله ، المنفذة لأحكامه ، ولذلك سماه الرسول (ص) أكبر الثقلين وأعظمهما وأطولهما وأتمهما فيما تواتر عنه ، وسمى عترته الثقل الأصغر.
ولقد كان القرآن ثقيلا لدى الله في أم الكتاب (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٤٣ : ٤) فعلوّه هناك وحكمته : ثقله ، ثم نزل ليلة القدر دفعة ، ثم طوال البعثة نجوما ، نزل ثقيلا على الرسول (ص) حيث يقول : «فما من مرة يوحى إليّ إلا ظننت أن نفسي تقبض» (١) «فانه كان يتغير حاله عند نزوله ويعرق ، وإذا كان راكبا تبرك راحلته ولا تستطيع المشي» (٢) وهذا ثقله في القرآن المفصل ، ثم القرآن المحكم المجمل النازل ليلة القدر يزداده ثقلين ١ ـ نزوله دفعة دون تفاصيل ٢ ـ إلقاءه عليه دون وساطة ملك الوحي ، إذ لم يكن بينه وبين الله أحد ، إذا فالقول الثقيل الذي سيلقى عليه هو القرآن المحكم ، إضافة إلى باقي المفصل النازل عليه مفصلا : ثقلا على ثقل.
هذا ثقله في وحيه وقبله ، ثم هو ثقيل في ميزان الحق ـ فان موازينه ثقيلة لا تخف أبدا ـ ثقيل في تطبيقه ، ثقيل على الاخفّاء الناكرين له ، فلا بد من ثقله في قلبه المنير لحدّ يفرغ قلبه عما سواه من مقال كما فرغ عمن سوى الله ، ولقد أثر في قلبه هكذا ولحدّ كان يثقل على قالبه ، فصاحب هذا القلب بحاجة في تلقي هذا الفيض الثقيل إلى مراس في تزكية قلبه بقيام لياليه بترتيله وذكر الله.
هذا هو القول الثقيل ، فإن القرآن ليس في معناه ثقيلا ولا في تفهمه وتذكره : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فقوله ـ إذا ـ ثقيل من حيث المقول ، وكيفية إلقائه ، وعرقلات تنفيذه.
__________________
(١). الدر المنثور (٦ : ٢٧٨) عن عائشة عنه (ص).
(٢). نور الثقلين (٥ : ٤٤٧) عن عبد الله بن عمر.