أنهم من على الجوار المسبق ذكرها؟ والفناء يعمهم ومن لا يركب الجوار! اللهم إلا الأولوية بالفناء في خضم البحر المتلاطم ، إلا أن كلهم لا يفنون عليه إلا قلة ، فلا تعني الفناء هذه إلا عموم الفناء فلا تخص من على الجوار! أم من على الأرض (١)؟ ولا يخص الفناء أهل الأرض ، ف (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢٨ : ٨٨) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) (٣٩ : ٦٨)! اللهم إلا لأنهم هم المخاطبون ، ولا سيما معشر الجن والإنس ، إلا أن خطابات القرآن ، غير المختص بالإنس والجان ، تشمل كافة من يصلحون للخطاب من عقلاء الأرض والسماء ، أم كل من على الدنيا ، الجامعة للأرض وجواريها ومجاريها الجامحة لزيناتها وشهواتها ورغباتها؟ : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) ومن (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ... وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (١٠ : ٧) قد يكونون هم المعنيين أجمع ، أو هم من المعنيين ، فغيرهم من المتقين المتبنين الحياة على مرضاة الله ، مطمئنين بالله لا سواه ، عائشين مع الله لا سواه ، إنهم باقون مع الله لا يفنون ، وقد توحي له (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) لا «ربك» ولا «وجه الله» ولا «الله» فلا تعني البقاء بين الفانين هنا ذات الله فقط ، وإنما الربانيون أيضا ، المخصوصون بربوبيته وكرامته ، وكما أضيف الرب الى أخصهم وأكرمهم «ربك» : فإنه الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم أول العابدين ، وآخر المرسلين.
فأهل الله العارفون بالله ، الباغون مرضاة الله ، هؤلاء هم الباقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ، وأهل اللهو هم الفانون الهالكون ، وهم أحياء يمشون ويأكلون كما تأكل الأنعام.
فليس وجه الرب وجها عضويا لذاته المقدسة ، فلا أحد يقول به ، ولا من المشبهة المجسمة ، الذين يثبتون لله سبحانه أبعاضا مؤلفة ، وأعضاء مصرّفة :
__________________
(١) القمي في تفسيره قال قال من على وجه الأرض.