ألفوا السورة على تقدير رأيهم لقدموا في المصحف المقدم وأخروا والمؤخر ، ففي تقدمهم سورة البقرة وتأخيرهم سورة براءة ـ دليل على أنهم اتبعوا ولم يبتدعوا وحكموا ولم يتخرصوا.
ولقد قال أبو ذر رضي الله عنه : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وما يقلب طائر جناحه في السماء إلا وعندنا منه علم فكيف تجهل تأويل السور ومواضع الآي أمة قد شهدت أول ذلك وآخره؟.
وقد روى أصحاب الحديث : أن القرآن كان مفرقا حتى جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وروى آخرون أن الذي جمعه : عثمان بن عفان وأنهم أخذوا آية من هاهنا وآية من هاهنا ، وأن الرجل كان يخبر بالآية ويسأل عنها الشهود ثم تكتب ، وأن زيد بن ثابت ـ لما أمره عثمان بن عفان أن يكتب في المصحف ـ فقد آيتين حتى وجدهما عند الرجلين من الأنصار ، وأن زيدا وغيره من الصحابة تولوا تأليف السور والآيات وهذه الأخبار مطعون عليها ، ويقال أن الزنادقة دلسوا وأضافوا الزيادات والأحاديث في أحاديث الأئمة. بل إن الدلالة قد قامت من طريق العقل ، لأن السور كانت معروفة متولفة في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وإن القرآن كان قد فرغ من جمعه.
وقال الشعبي : لم يجمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا ستة كلهم من النصار ، فلو لم يكن القرآن مجموعا مؤلفا على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فكيف كان يجمعه هؤلاء الستة ويحفظونه؟ (١).
__________________
(١) منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٦ للشيخ خميس الرستاقي.