قراءة القراء السبعة ، (والمحتسب) موضوعه القراءات الشاذّة أو بالأحرى بعض القراءات الشاذّة ، لأنّ المحتسب ليس موضوعاً على جميع القراءات الشاذّة عن قراءة السبعة ، انما الغرض منه إبانة ما لطفتْ صنعتُهُ وغربت طريقتُهُ ، أمَّا ما كان عارياً من الصنعةِ فلا وجهَ للتشاغلِ بِهِ (١).
وأبو علي في الحُجَّة كانَ يعرِضُ خلافَ القُرَّاءِ في القِراءةِ التي يريدُ الاحتجاج لها نقلاً عن ابن مجاهد ثمَّ يأتِي بكلام ابن السَّرَّاج ويضيف إليهِ ما عنده ، وهكذا كان في سورة الفاتحة وآيتين من سورة البقرة ، ثمّ انفردَ بَعْدَ ذَلِك وهو يُعرِبُ ويفسّر ويدقّق ويستطرد ويُطيلُ الاستطرادَ ويستشهدُ بالقرآن والحديثِ والشِّعرِ والأمثالِ ، ويناقش ويعترض ، ثمّ يخرج برأي يراه ، ولا يترك المسأَلةَ إِلاَّ وَقَدْ أَشبعها بحثاً ، وقلَّبها على كُلِّ الوجوهِ وتكثر في أسلْوبهِ الجملُ الاعتراضية ، وفي عبارتِهِ غموض مِمَّا جَعَلَ كتابَهُ لا يُقبِلُ عليهِ إلاَّ خاصَّةُ العُلمَاءِ الذينَ يطيقون فهمه ويحسنون الانتفاع به (٢).
ويدلّك على ذلك قول ابن جنِّي فيه : «وقد كان شيخُنَا أبو علي عمل كتاب الحجّة فأغمضَه وأطالَهُ حتَّى مَنَعَ كثيراً مِمّن يدَّعِي العربيةَ ـ فضلاً عن القراءة ـ منه وأجفاهم عنه» (٣).
وأمَّا ابنُ جِنِّي فكانَ في الُمحتسَبِ يحتجُّ للقراءات الشاذَّةِ بعبارة واضحة سلسة خالية من الغموض ويستشهد بقراءة على قراءة (٤) ،
__________________
(١) المحتسب : ١ / ٣٥.
(٢) الحُجَّة : ١ / ٣١.
(٣) المحتسب : ١ / ٢٣٦ ، وله قول قريب من هذا في الكتاب نفسه : ١ / ١٩٧.
(٤) المحتسب : ١ / ١١٨ و ٣١٦.