فأما يَدَعْ ـ بفتح الياء والدَّالِ ـ فهو المشهورُ ، وإعرابُهُ أَنَّهُ لَـمَّـا قَالَ : لَمْ يَدَعْ مِنَ المَالِ إلاّ مسحتاً دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَقِي ، فَأضْمَرَ ما يَدُلُّ عَلَيهِ القَولُ (١). فَكَأَ نَّهُ قَالَ : وَبَقِي مُجَلَّفٌ.
وَأَمَّا يَدِعْ ـ بفتح الياء وكسر الدَّالِ ـ فهو من الاتِّدَّاع ، كَقَولِكَ : قَدْ استراحَ وَوَدِع وهو وَادِع من تَعَبِهِ.
فالمسحت ـ على هذه الرواية ـ مرفوع بفعله ، ومجلف معطوفٌ عليه ، وهذا ما لا نظر فيه لوضوحه.
وأما يُدَعْ ـ بِضمّ الياءِ ـ فَقِياسُهُ يُودَع ، كقولِ اللهِ تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٢) ومثله يُوضَع ، والحديدُ يُوقَع ، أي : يُطْرَقُ مِنْ قَوْلِهِم : وَقَعْتُ الحَديدةَ ، أَيْ : طَرَقْـتُهَا.
قَالُوا : إِلاَّ أَنَّ هَذَا الحرفَ كَأَ نَّهُ ـ لِكَثْرَةِ استْعَمالِهِ ـ جَاءَ شَاذًّا (٣) فَحُذِفَتْ واوهُ تخفيفاً فَقِيلَ : لَمْ يُدَعْ أَيْ : لَمْ يُتْرَكْ ، وَالمُسْحَتُ والُمجَلَّفُ جميعاً مرفوعانِ (٤) أَيضاً ، كَمَا يَجِبُ (٥).
__________________
(١) رأي أبي الفتح هذا نقله عنه البغدادي في الخزانة : ٥ / ١٤٧.
(٢) سورة الإخلاص : ١١٢ / ٣.
(٣) لا أدري كيف تكون كثرة الاستعمال شذوذاً. ربما قصد ـ لقلّة استعماله ـ.
(٤) قد كثر الحديث حول إعرابِ بيتِ الفرزدق هذا حتَّى قال الزَّمخشري هذا البيت لا تزال الرُّكَبُ تَصْطَكُّ في تسويةِ إِعرابِهِ. ويرى ابنُ قتيبةَ أَنَّهُ أَتعبَ أَهلَ الإعرابِ في طلب الحيلة. ويكفي أن نعلم أَنّ عبد الله بن أبي إسحاقَ سألَ الفرزدقَ : بمَ رفعتَ : أَو مجلف؟ فقال : بما يسؤك وينوؤك ، علينا أَنْ نَقولَ وعليكُم أَنْ تتأوّلوا ، ثمّ هجاهُ وللعلماء عدّة توجيهات فيه. اُنظر : تلك الآراء في خزانة الأدب : ٥ / ١٤٦.
(٥) المحتسب : ٢ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥.