عطفَ دونَ الثانية عَلَى موضِعِ (من دون) الأَولَى ، ونظائره ، كثيرةٌ جدّاً (١) ، وإنْ شِئْتَ حَمَلْتَهُ عَلَى حذفِ المضافِ ، أيْ : وجَعَلَنِي ذَا بِرّ ، وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ إيَّاهُ على المُبَالَغَةِ كَقَولِهَا :
...... |
|
فَأ نَّـمَـا هِيَ إِقْبَـالٌ وإِدْبَـــارُ (٢) |
عَلَى غَير حذفِ المُضافِ (٣).
ويُروى عَنْ أَبان بن تَغْلِب : (وَنَحْشُرْهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعْمَى) (٤) بالجَزْمِ.
قَالَ أَبُو الفتحِ : هُو مَعْطُوفٌ عَلَى مَوضِعِ قولِهِ عَزَّوجَلَّ : (فَإنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكَاً) ومَوضِعُ ذَلِك جزمٌ لِكَونِهِ جوابَ الشرطِ الذي هُو قَولُهُ : (ومَنْ أَعْرَضَ عنْ ذِكْرِي) فَكَأَ نّهُ قَالَ : ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكري يعشْ عِيشةً ضَنْكاً ونَحْشُرْهُ ، كَمَا تَقُولُ : مَنْ يَزرْنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وأزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ ، أَيْ : مَنْ يَزُرنِي يجُبُ لَهُ دِرْهَمٌ عليَّ وأَزدْهُ عَلَيهِ.
وعَلَيهِ قِراءَةُ أبِي عَمرو بنِ العَلاءِ : (فَأَصَّدَّقُ وأَكُونَ مِنَ
__________________
تزعْك : تكفك والوَزْعُ : كفّ النفس عن هواها وهو من وَزَعَ بمعنى كفَّ وهو غير أوزع الذي بمعنى أغْرَى ، وفي التنزيل : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَك الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) سورة النمل : ٢٧ / ١٩ أي : ألهمْني. انظر : الديوان : ٢٥٥ والكتاب : ١ / ٣٤ والمقتضب : ٤ / ١٥٢ ولسان العرب ـ وزع ـ والخزانة : ٢ / ٢٥٣.
(١) قال ابن هشام في المغني : شرط العطف على المحلّ : إمكان ظهوره في الفصيح. انظر : المغني : ٢ / ٤٧٣.
(٢) البيت للخنساء وقد تقدّم الشاهد في : ص : ٣٣٥.
(٣) المحتسب : ٢ / ٤٢ ـ ٤٣.
(٤) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ١٢٤ : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).