وجَميعِ مَا في هَذَا الحرفِ إنَّمَا هُو مِنْ قَولِنَا : نَعَمْ ، وذَلِكَ أَنَّ (نَعَمْ) مَحْبُوبةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وهي ضَدُّ (لاَ) الكَزَّة (١) المُسْتَكرَهَة.
فَإنْ قِيَل فَكَيفَ يَجُوزُ الاشتقاقُ مِنْ الحرفِ؟ قَيلَ قَدْ اشتقَّ منها في غير موضع ، قَالوا : سَأَ لَنِي حَاجةً فَلاَ لَيتُ لَهُ ، أَيْ : قُلْتُ لَهُ : لاَ. وسَألتُكَ حاجةً فَلَو لَيتَ لِي. أيْ : قُلْتَ لَولاَ ، وقَالوا : حاحيتُ وعاعيتُ وهاهيتُ ، فاشتقّوا من حاء وعاء وهاء (٢) ، وهُنَّ أصواتٌ ، والأصواتَ للحروف أَخَواتَ ، وما أَكثَرَ ذَلِكَ (٣)!! وقَالَ ابنُ مجاهد وأَبو حاتِم عَنْ يَعقوب قَالَ : سَمِعْتُ أَعرابياً يُكَنَّى أَبَا الدينار عند الكسائي يَقْرَأُ : (القَدُّوس) (٤) بِفَتحِ القافِ.
__________________
(١) الكزَّة : القبيحة. وشتانَ بينَ (نَعَمْ) و (لا) قَالَ ربيعةُ الرِّقي :
قُولِي : نَعَمْ وَنَعَمْ إِنْ قُلتِ واجِبَةٌ |
|
قَالَتْ : عَسَى وَعَسَى جِسْرٌ إِلَى نَعَمِ |
فترى لها رقّةً ولطفاً وخِلابةً وحُسْناً ، وقالَ المُثَقبُ العَبدِي :
لاَ تَقُولَنَّ إذَا مَا لَمْ تُرِدْ |
|
أَنْ تُتِمَّ الوَعْدَ في شَيْء (نَعَمْ) |
حَسَنٌ قولٌ (نَعَمْ) مِنْ بَعْدِ (لاَ) |
|
وَقَبِيحٌ قَولُ (لاَ) بَعْدَ (نَعَمْ) |
إِنَّ (لاَ) بَعْدَ (نَعَمْ) فَاحِشَةٌ |
|
فَبِلاَ ابْدَأ إِذَا خفْتَ النَّدَمْ |
وَإِذَا قُلْتَ (نَعَمْ) فَاصْبِرْ لَهَا |
|
بَنَجَازِ الوَعْد إنَّ الخُلْفَ ذَمْ |
وقال الفرزدق مادحاً الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) :
مَا قَالَ : (لاَ) قّطُّ إلاَّ فِي تَشَهُّدِهِ |
|
لولا التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاؤُهُ (نَعَمُ) |
ينظر في : دلائل الإِعجاز : ٧٥ ، والنبي وآله (عليهم السلام) في الشعر العربي : ٤٤.
(٢) قال سيبويه : «... وكذلِك ياء دَهْدَيتُ فيمَا زَعَم الخليلُ لأَنَّ الياءَ شَبيهةٌ بالهاءِ في خِفّتِها وخَفَائِها والدَلِيلُ عَلَى ذَلِك قَولُهمُ : دَهْدَهَتُ فَصَارت الياءُ كالهاءِ. ومِثِلُه عَاعَيتُ وحَاحَيتَ وهَاهَيتُ ...». الكتاب : ٢ / ٣٤٧.
(٣) المحتسب : ٢ / ٣٤٩.
(٤) من قوله تعالى من سورة الحشر : ٥٩ / ٢٣ : (هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).