مجيؤهُ مِن رشِد أَو رشَدَ فِي معنى رشِد ، وأَ نَّهُ لَيْسَ مِن لَفْظِ أَرْشَدَ؟ قِيلَ : المَعْنَى رَاجِعٌ فيما بَعد إلى أَنَّهُ مُرْشِدٌ ، وذَلِك لأَ نَّهُ إذا رَشِدَ أَرْشَدَ ، لأَنَّ الإرشَادَ مِنْ الرَّشَد ، فَكَأ نَّهُ مِنْ بابِ الاكتفاءِ بِذِكْرِ السَّبَبِ مِنَ المسبب.
وعليه قالوا : في قول الله سبحانه : (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) (١) إنَّهَا مِنْ لَقِحَتْ هيَ ، فَإذَا لَقِحَتْ أَلْقَحَتْ غَيرَهَا ، فَهُو كَقَولِكَ إنَّها زاكية ، فإذا زكتْ في نَفْسِها أَزْكَتْ غَيْرَهَا ، فَهَذَا المَذْهَبُ لَيْسَ هُو الأولُ الذي عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الزّيادَةِ مِنْ أَلْقَحَ (٢) ولِكُلّ طريقٌ (٣).
وقَرَأَ ابنُ قُطيْب : (عَطَاءً حُسَّابا) (٤) قَالَ أَبو الفتح : طَرِيقُهُ عِندِي ـ واللهُ أَعْلَم ـ عطاءً مُحْسِبا ، أَيْ : كَافِياً (٥) يُقالُ أَعطَيتْهُ ما أَحْسَبَهُ ، أيْ : كَفَاهُ إلاَّ أنَّهُ جَاءَ بالاسمِ مِنْ أفْعلَ عَلَى فَعَّال وقَدْ جَاءَتْ مِنْهُ أَحْرفٌ ، قَالُوا : أَجْبَرَ فهو جَبَّارٌ ، وأَدْرَك فَهْو دَرّاك وأَسْأرَ منْ شَرَابهِ فَهْو سآرٌ ، وأقْصَرَ عَنِ الشيءِ فَهْو قَصَّارٌ وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ (٦). وأَ نَا أَذْهَبُ فِي قَولِهِم أَحْسَبَهُ من العطية ، ـ أي : كَفَاهُ ـ إلى أَنَّه مِنْ قَولِهِم : حَسْبُك كَذَا ، أَيْ : أَعطَاهُ حَتَّى قَالَ : حَسْبُ كَمَا أَنَّ قَولَهُم : بَجَّلْتُ الرَّجُلَ ، ورَجُلٌ بَجِيلٌ وبَجَال كَأَ نَّهُ مِنْ قَولِهِم بِجَلْ ، أَيْ : حَسْبُ ، فَكَأَ نَّهُ انتهى مِنَ الفَضْلِ والشَّرَفِ إلى أَنَّهُ مَتَى جرى ذِكْرُهُ قِيلَ : بَجَلْ ، قِفْ حَيْثُ أَنْتَ فَلاَ غَايةَ ورَاءَهُ. وذَلِك عِنْدِي أَصْلُ تَصَرُّفِ النِّعمَةَ والنَّعيم والإنْعَام
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٢٢.
(٢) تنظر : الحاشية الرابعة ، ص : ٣٩٢.
(٣) المحتسب : ٢ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٤) من قوله تعالى من سورة النبأ : ٧٨ / ٣٦ (جَزَاءً مِّن رَّبِّك عَطَاءً حِسَاباً).
(٥) وكذلك حمله أبو حَيَّان في البحر المحيط : ٨ / ٤١٥.
(٦) انظر : ص : ٣٩١ والمحتسب : ٢ / ٢٤١.