(أَوَلَمْ يَرَوْا) عطف على محذوف علّه بمناسبة المقام (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) حيث العذاب عذاب سواء أكان لهم : (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) أم لأضرابهم : (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ ..) (٣١) فان لم يروا عذابا في أنفسهم (بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) (أَوَلَمْ يَرَوْا) في سير التاريخ وسبره (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) إتيان القدرة الفعالة والربوبية الحكيمة ، دون إتيان الذات ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وجمعية «أنا نأتي» هي جمعية الصفات ، فقد يأتي الأرض إتيان الغضب على الجاحدين فينقصها من أطرافها وجوانبها الجبارة من قصور وأهليها المستكبرين ، وهنا الأطراف جمع «الطرف» : الجانب ، وهو جانب الظلم وثقل الزور والغرور ، وفي ذلك النقص رحمة لأهل الله وعامة المستضعفين حيث غلب هنالك المبطلون (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ)؟ فقد «يعني بذلك ما يهلك من القرون فسماه إتيانا» (١).
وقد يأتيها ينقصها من أطرافها : كرائمها وعيونها الناظرة الناضرة
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٥٢٠ ج ٢١ في كتاب الاحتجاج للطبرسي عن امير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام) وقال : ا ولم يروا ان نأتي الأرض ننقصها من أطرافها «يعني بذلك ما يهلك من القرون فسماه اتيانا ..» وفي تفسير البرهان ٢ : ٣٠١ عن ابن شهر آشوب عن تفسير وكيع وسفيان والسدي وأبي صالح ان عبد الله بن عمر قرأ الآية يوم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال : يا امير المؤمنين لقد كنت الطرف الأكبر في العلم ، اليوم نقص علم الإسلام ومضى ركن الايمان ، والزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن سدى عن أبي صالح قال لما قتل امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال ابن عباس : هذا اليوم نقص العلم من ارض المدينة ثم قال : ان نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها ان الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فيسألوا فيقفوا بغير علم فضّلوا وأضلوا.