«رب ارني» نفسك (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) في هذه الإراءة الربانية ، ف «رب» مما تلمح أنها رؤية معرفية بعناية ربانية.
وقد وردت الرؤية في العلم والمعرفة بغير البصر في آيات عدة ، بل هي أقوى من رؤية البصر ، (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (١٢ : ١٤) ليوسف حيث منعه عن أن يهم بها ، ليست إلا الرؤية المعرفية المعصومة لساحة الرب.
كما أن (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (٥٣ : ١١) هي رؤية الفؤاد ، وهو هنا القلب المتفئد بنور المعرفة التامة الطامة قلب العارف وكل كيانه ، وهكذا (لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى)(١).
__________________
ـ الجبل لنوري فانك ستقوى على أن تنظر إلي وإن لم يستقر فلا تطبق إبصاري لضعفك ، فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطّع ثلاث قطع فقطعة ارتفعت في السماء وقطعة غاصت في تحت الأرض وقطعة بقيت فهذا الذر من ذلك الغبار غبار الجبل ، أقول : وان كان في ذيله شيء من الغرابة.
(١) في معاني الأخبار للصدوق باسناده عن هشام قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين فقال له معاوية بن وهب : يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقول في الخبر المروي : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ربه؟ على أي صورة رآه؟ وفي الخبر الذي رواه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة؟ على أي صورة يرونه؟ فتبسم ثم قال : يا معاوية! ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة وثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه ثم لا يعرف الله حق معرفته ثم قال : يا معاوية إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان وان الرؤية على وجهين : رؤية القلب ورؤية البصر فمن عني برؤية القلب فهو مصيب ومن عني برؤية البصر فقد كذب وكفر بالله وآياته لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من شبه الله بخلفه فقد كفر ، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن الحسين بن علي (عليهما السّلام) قال : سئل أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقيل له : يا أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هل رأيت ربك؟ فقال : لم أعبد ربا لم أره ، لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان ، وإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق ولا بد للمخلوق من خالق فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا ومن شبهه بخلقه فقد ـ