وهكذا يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقل الأمر (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (٣ : ١٢٨) وكما هنا (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ).
فلست ـ أنت أيها الرسول النبي الألمعي ـ لست تملك شيئا من أمر التكوين والتشريع والثواب والعقاب والعفو ، أو الاستئصال والاستصلاح ، أو تدبير المصالح في أوقاتها ، أو تقديم الآجال عن مقراتها أو تأخيرها وما أشبه من الأمور الربانية في حقل التكوين والتشريع ، و (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) و (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)(٨٨ : ٢٢).
(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) له الخلق وله أمر الخلق استمرارا وتدبيرا وما أشبه من شؤون الخلق لصالحه غاية وبداية وعلى أية حال في كل تكوين وتشريع وما أشبه.
ذلك ، فلا مجال هنا لبعض التفلسفات الفالسة الكالسة أن «الأمر» يعنى إيجاد المجردات ، والخلق هو إيجاد الماديات ، فقد ذكر هنا خلق السماوات والأرض والإستواء على عرش تسخيرهما بسائر النجوم وتدبيرها كلها وهو الأمر بعد الخلق (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) حيث جمع لنفسه الخلق والأمر دون أن يتخذ لنفسه شريكا أو يكون له يد في الأمر كما لا شريك له في الخلق ، والمشركون معترفون بان الله تعالى هو الخالق لا سواه ، ولكنهم يعطون أمر الخلق لغيره كلا أو بعضا.
ثم الأمر هنا ليس ليختص بأمره تعالى بعد خلق الكون ، بل وله الأمر قبله وقبل أمره ، كما وله الخلق قبل الخلق والأمر وبعدهما ، فهو «خالق إذ لا مخلوق وعالم إذ لا معلوم ..» (١) ف من زعم أن الله جعل للعباد من
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٠ في الخرائج والجرايح قال أبو همام سئل محمد بن صالح أبا محمد (عليه السّلام) عن قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) فقال : له الأمر من قبل أن يأمر به وله الأمر من بعد أن يأمر به مما يشاء فقلت في نفسي هذا قول الله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) فأقبل علي وقال : هو كما أسررت في نفسك : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).