فإغشاء الليل النهار هو طريان الظلمة على جو النور ، ومما تشبهها (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) فإن سلخ النهار من الليل هو سلخ الضوء من أفقه الخاص الذي هو مظلم لولا الضوء ، فالليل والنهار هما عارضان على الجو ، ولولا الجو فلا ليل ولا نهار ، كما لولا الوجود فلا أزلية ولا حدوث ، ثم الليل الظلمة مخلوق مع الجو ذاتيا والنهار النور مخلوق بعد الجو عرضيا ، فسلخ النهار من الليل لمحة إلى عرضية النهار على الجو المظلم بطبيعة الحال ، وإغشاء الليل النهار إشارة إلى زوال النهار بزوال الشمس ، ف (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) هو رجوع الجو إلى حالته الأصلية الطبيعية.
ثم و (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) لمحة صارحة لاختلاف الآفاق الأرضية ، فهي ـ إذا ـ مدوّرة غير مسطحة ، وإلّا لم يكن معنى ولا واقع ل (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) أن يطلب الليل النهار حثيثا تدريجيا سريعا مجدا ـ حيث الحث هو الطلب بجد وسرعة ـ بل ليكن الأرض كلها ليلا أم كلها نهارا لو كانت مسطحة أو شبه مسطحة ، وهذا الطلب ليس إلّا من حصائل حركة الأرض وكرويتها ، أم وحركة الشمس.
ذلك ، فلولا أن الظلمة أصل للجو المظلم ، مخلوق معه دون غيار لم يكن لسلخ النهار منه معنى صالح ، حيث السلخ ليس إلا لقشر عارض ، وأما (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) فإنه اغشاء ، لذلك الجلد العارض بغشاء الظلمة الذاتية.
ثم (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) لا يصدق إلّا باختلاف الآفاق ، وإلا لم يكن يطلبه لا حثيثا ولا غير حثيث لمكان المفارقة البائنة بينهما ، إذا فلتكن الأرض منحنية السطح كروية أو بيضوية أماهيه حتى يصدق (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) : سريعا.
ذلك ، فهذه الآية المغشية الليل النهار ، ومعها آية التكوير : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) (٣٩ : ٥) وهكذا آيات الإيلاج بينهما ك (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي