(وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) حيث لا ينصره في تلك الهزاهز التي اختلقها عامدا عاندا (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) وأما من يريد نجاته حيث ينصره في المهالك إذ يدق أبواب الهدى ، فقد تملك له من الله شيئا من التماس المغفرة والشفاعة.
«أولئك» السماعون للكذب المحرفون الكلم من بعد مواضعه المنافقون مع الرسول هم (الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) (١) وكفاهم ذلا وضلا أن يكلهم الله إلى أنفسهم ، تتوارد على قلوبهم الأهواء من أنفسهم ومن شياطين آخرين ، ف (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) القلوب المقلوبة المفصولة عن هدى الله ، المغلوبة بطوع الأهواء (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) أعظم من الدنيا وأعزم إذ ليست الدنيا دار جزاء.
ومن غريب الوفق توافق الدنيا والآخرة بمختلف صيغهما في القرآن مما يدل على التوازن بينهما فهما جناحان اثنان لا بد للطائر إلى مقامات القدس أن يطير بهما ، والعدد الوفق بينهما (١١٥) مرة!.
ذلك وهكذا يكون دور الذين يدّعون الإسلام ثم يحاولون تبديل حكم إلى آخر تنقّبا له بنقاب الفتوى ، مفتشين عمن يفتي لهم وإن لم يرضوه مفتيا في سائر الأحكام ، فهؤلاء اليهود المكذبون بالرسول هنا يظهرون أنفسهم
__________________
ـ فيها بالحق وهو التسوية بين الشريف والدني لم يأخذوا بحكمه (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا).
(١) في تفسير العياشي عن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن الله إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده وإذا أراد الله بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله ثم تلا هذه الآية (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ...) وقال : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) وقال: (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).