بئرا الزهيري
اللتان تتساويان في عمقهما مع بئري الشقيق ، تغوصان في التربة نفسها ومن المرجح أن
تاريخهما يعود إلى الحقبة نفسها ، غير أننا لا نعرف لهما سوى اسمهما الأخير وفي حد
علمي لم يجر قط ذكر اسم البئرين الأوليين.
السيد غوارماني
الدقيق جدا في اصطلاحات الصحراء لم يرهما ، لذا فهو لم يذكر سوى بئر"
شقيق" الذي يقول إن طلال بن رشيد قد دمره ليمنع غزوات الرولة. كل الرحالة
الآخرين يقولون إن لهذه الآبار جدرانا. والحقيقة هي أن عبر طبقة الرمل التي تبلغ
سماكتها ما بين ٧ و ٨ أمتار ، تتألف الجدران من حجارة مقصّبة وضعت دون ملاط. أما
باقي البئر فقد حفر في الصخر بشكل بدائي. حافات الآبار بليت وباتت مصقولة بفعل
الحبال التي ترفع السطول منذ قرون.
بالقرب من البئرين
كانت بعض الأسمال مبعثرة على الأرض ، روى لي محارب بشأنها قصة محزنة تدعوا الى
الرثاء. ففي الأيام الأخيرة من شهر نيسان الماضي ، غادر درويش جبه قاصدا الجوف
سيرا على الأقدام وحيدا لا يحمل معه سوى قربة صغيرة فيها بضعة ليترات من الماء
وقليلا من الطحين. ويبدو أنه وصل إلى بئري الشقيق ولكن لافتقاره الى الماء منذ يوم
أو يومين ومن دون حبال ولا دلو لسحب الماء من البئر مات ميتة تدعو للشفقة. وقد رأى
جثته بعض الفرسان الذين انطلقوا من حائل بعد عشرة أيام. هل فسدت المياه لطول
ركودها بسبب عدم سحب الماء منها منذ فترة طويلة؟ أم ربما بسبب رمي جثة الدرويش في
البئر سأل محارب؟ فالواقع هو أن مياه البئرين كانت تفوح منهما روائح نتنة لا تحتمل
من حامض الهيدروجين المكبرت وحتى الجمال اشمأزت. ومع ذلك فقد اضطررنا إلى ملء
القربة التي أفرغناها منذ مغادرتنا الجوف.
كانت حرارة الماء
في الدلاء الأخيرة التي رفعت+ ١٠ ، ٢٣ درجة. إذا كان النفود مرادفا احيانا في
الحديث في البلاد العربية لصحراء خالية من الماء ، فإن هذه الصحراء تبدأ فعليا من
آبار الشقيق والزهيري وتنتهي في قرية جبه. غياب الماء هو نقيصة النفود الوحيدة.
وهذه النقيصة الوحيدة تجعل اجتيازه مضنيا. ولو لا ذلك لتمتّع الناس والحيوانات فيه
لوفرة العلف والخشب.
أعتقد أن
بوركهاردت هو أول من لاحظ أنه باستثناء الصحراء الكبرى في الجنوب والربع الخالي
والنفود ما بين آبار الشقيق وجبه ، لا يوجد في باقي الجزيرة العربية مسيرة أخرى
بهذا الطول دون ماء. كان بإمكانه أن يضيف خط الجوف نحو العراق