فقد أشربوا العجل في قلوب أرواحهم وقلوب أجسادهم لكثرة حبهم له ، فكما أن شرب الماء كسب لاستمرارية الحياة ، كذلك هؤلاء الأباقرة ركزوا حياتهم على حب المادة وعبادتها ، المتمثلة في حب العجل وعبادته ، وما أمرهم أن يذبحوا بقرة ـ ولا سيما تلك الثمينة الغالية ـ إلّا أمرا بذبح ما كانوا يحبون ويعبدون ، وكما أمروا بقتل أنفسهم بعد هذه العبادة القاحلة.
وتراهم من أشربهم في قلوبهم العجل؟ إنه طبيعتهم المنجذبة الى المحسوسات ، ثم هو السامري الذي استغل فيهم هذه الجاذبية ، ثم الله لم يردعهم تكوينا وتسييرا حيث الدار دار الإختيار.
وقد يعني (وَأُشْرِبُوا ...) ـ فيما تعني ـ أنهم أمروا أن يشربوا من ماءه ليتبين العابد له عن سواه (١) ولكنه لا يصلح إلّا ضمن المعني مما تعني ، وقد تعني ثالوث الشرب ، في قلوب أرواحهم ، ثم الأجساد ، من عند أنفسهم أم بما أمروا ، والنص يصلح لها كلها بكفرهم.
(قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) أن تكفروا بما أنزل الله ، وبهذه الرسالة الاخيرة (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فهو ايمان بئيس نحيس وليس ايمانا بالله! وترى الايمان يأمر أو ينهى حتى يصح هنا «بئسما»؟ الأمر هو الدافع كما النهي هو
__________________
(١) تفسير البرهان ١ : ١٣٠ قال الامام العسكري (عليه السلام) ... في الآية : عرضوا بشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ، ما شربوه ذلك الى قلوبهم ، وقال : ان بني إسرائيل لما رجع إليهم موسى وقد عبدوا العجل تلقوه بالرجوع عن ذلك فقال لهم موسى من الذي عبده منكم حتى انفذ فيه حكم الله خافوا من حكم الله الذي ينفذه فيهم فجحدوا ان يكونوا عبدوه وجعل كل واحد منهم يقول : انا لم اعبده وانما عبده غيري ووشى بعضهم ببعض فذلك ما حكى الله عن موسى من قوله للسامري (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) فأمره الله فبرده بالمبارد وأخذ سجالته فذرها في البحر العذب ثم قال لهم : «اشربوا منه فشربوا فكل من كان عبده اسود شفتاه وانفه فمن كان لم يعبده ابيض شفتاه وانفه فعند ذلك انفذ فيه حكم الله».