الحروف : الميم ، والراء ، والفاء ، والشين.
وإنما امتنعت من أن تدغم لأن لكل واحد منها ضربا من الفضل على غيره.
فكرهوا إذهاب ذلك الفضل بإدغامه في غيره ، فمن ذلك قولك : أكرم به.
ولا تدغم الميم في الباء لأنهم يقلبون النون ميما في نحو العنبر ، وقد تقدمت العلة في ذلك.
فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون ، لم يغيروه ، وأيضا فإن النون الساكنة بعيدة من الباء في المخرج ، ومباينة لها في الاشتراك في الغنة ، ولم تدغم الميم ـ المنقلبة من النون ـ في الباء فكانت الميم الأصلية أولى أن لا تدغم في الباء.
قال : " وأما الفاء فلا تدغم ... لأنها من باطن الشّفة".
يريد أن حروف الفم أقوى من حروف الشفتين وحروف الحلق. لأن معظم الحروف في الفم للسان ، وهو وسط مواضع النطق. والحلق والشفتان طرفان فصارت الفاء لذلك أقوى من الباء ؛ لأنها من باطن الشفتين وهي من الفم ، والباء من الطرف.
قال : والراء لا تدغم في اللام ولا في النون ؛ لأن الراء مكررة وهي تتفشى ، إذا كان معها غيرها.
فلهذه الفضيلة لم يجز إدغامها في النون واللام ، لئلا تذهب تلك الفضيلة ولذلك لا يختار إدغام الطاء في التاء ؛ لأن الطاء مطبقة ، فيكره ذهاب إطباقها بإدغامها في التاء.
وكذلك الشين لا تدغم في الجيم ؛ لأن فيها استطالة وتفشيا ، فلم يدغموها لئلا يذهب ذلك منها.
قال : ومما أدغمت العرب الهاء فيه في الحاء قول الراجز :
* كأنّها بعد كلال الزّاجر |
|
ومسحي مرّ عقاب كاسر (١) |
يريد : " ومسحه".
يصف ناقة ، يقول : كأن مرّها ـ بعد طول السير وكلال الحادي بها الزاجر لها ، ومسحه الأرض أي : ذرعه بالمشي وقطعه لها ـ مرّ عقاب كاسر ، وهي التي كسرت جناحيها للانقضاض ، أي : تضم منهما وتقبضهما.
قال الأخفش : لا يجوز الإدغام في : ومسحه ، ولكن الإخفاء جائز.
وقال غيره : أما إدغام الهاء في الحاء إذا كانت قبلها بأن تقلبها حاء فصحيح ، وأما الاستشهاد بهذا الشعر فسهو وغلط ؛ لأن الإدغام لا يصح في البيت من أجل اجتماع
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤١٣ ، شرح عيون كتاب سيبويه ٣١٨.