ومن أجل ذلك استوفى لفظ المتكلم المذكر والمؤنث ، لأن الفصل يحتاج إليه لئلا يتوهم غير المقصود في موضع المقصود.
وتثنية المتكلم وجمعه على لفظ واحد ، وذلك أن المثنى هو شيئان متساويان في اللفظ ، ضم أحدهما إلى الآخر كزيد وزيد ورجل ورجل ، فيقال : زيدان ورجلان ، والمجموع هو جماعة متساوو اللفظ ، ضم بعضهم إلى بعض كقولك : زيد وزيد وزيد فيقال : زيدون ، والمتكلم لا يشاركه متكلم آخر في خطاب واحد ، فيكون اللفظ لهما ، فتبطل تثنيته وجمعه على منهاج التثنية والجمع ، ولكنه لما كان قد يتكلم عن نفسه وحدها ، ويتكلم عن نفسه وغيره مخالفا اللفظ الذي له وحده ، استوى أن يكون غيره المضموم إليه واحدا أو اثنين أو جماعة ، فيقول : أنا خارج ، ونحن خارجان ونحن خارجون.
وأما المخاطب والغائب فجريا على القياس في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع لمخالفتهما حكم المتكلم.
واعلم أن جملة الضمير تجري مجرى حروف المعاني التي تستعمل في الأشياء المختلفة ، وهي حروف قليلة محصورة في ما لا يحصى من الأسماء والأفعال كحروف الخفض والنصب والجزم وحروف العطف والاستفهام وما جرى مجراهن. وكذلك الضمائر : هي ضمائر أشياء مختلفة بألفاظ قليلة محصورة تتكرر على كل المضمرات ، فلما كانت كذلك قللت حروفها ، فجعل ما كان منها متصلا على حرف ، إلا أن يكون هاء فيزاد عليه حرف آخر لخفائه ، كالتاء في : قمت ، والكاف في : ضربتك. وإذا كان منفصلا جعل على حرفين أو أكثر ، لأنه لا يمكن إفراد كلمة على حرف واحد مفرد عن غيره. وهذه سبيل حروف المعاني ، منها ما هو على حرف واحد متصل ، ومنها ما هو على أكثر من حرف. ومن أجل أن المتصل أقل حروفا من المنفصل ، كان النطق به أخف ، فلم يستعملوا المنفصل في موضع المتصل إلا في الضرورة.
وهو الذي ضمنه سيبويه الباب حين قال : " لا يقع أنت موضع التاء في فعلت" وما أشبه ذلك مما ذكر.
فإن قال قائل : لم تغيرت حروف المضمرات وصيغتها في الرفع والنصب.
ومن سبيل الأسماء الظاهرة أن لا تتغير حروفها وصيغها كقولك : هذا زيد ورأيت زيدا ومررت بزيد؟
قيل له : لما كانت الضمائر واقعة مواقع الأسماء المعربة المختلفة الإعراب وهي مبنية ، جعلوا العوض من الإعراب ـ الدال على المعاني المختلفة ـ تغيير صيغة المضمرات ليدل على مثل ما دل عليه الإعراب فاعرف ذلك.