وقوله : أدعو وأنادي : إخبار عن نفسك ، وتحقيقه أن المنادي لما احتاج إلى عطف المنادى على نفسه ـ واستدعائه إياه ليقبل عليه ، فيخاطبه بالذي يريد ـ احتاج إلى حرف يصله باسمه ليكون تصويتا به وتنبيها له ـ وهو" يا" وأخواتها ، فصار المنادي كالمفعول بتحريك المنادي له وتصويته به ، والمنادي كالفاعل لا لفظ له وصار بمنزلة الفعل الذي يذكره الذاكر ، فيصله بمفعول ظاهر وفاعل مضمر مقدر. فهذا ما يستحقه المنادى في الأصل ثم عرض في المفرد ما أوجب ضمه وإن كان أصله النصب ، لأنه مخاطب ، وسبيله أن يعبر عنه بالمكنى من الأسماء" كأنت" و" إياك" وغير ذلك ، غير أنه قد يكون بعيدا منك أو غافلا عنك فإذا ناديته بأنت أو إياك ، لم يعلم أنك تعنيه أو تعني من سواه ، فجئت بالاسم الذي يخصه دون غيره وهو زيد أو نحوه ، فوقع ذلك الاسم موقع المكني فبنيته ، وكان الضم به أولى من الفتح والكسر.
أما امتناعه من الفتح فليفرق بينه وبين المعرب.
وأما امتناعه من الكسر فليفرق بينه وبين المضاف إلى المتكلم إذا أسقطت ياؤه استخفافا ، ويشبه أيضا بقبل وبعد ، لما بينا على ما لم يكن لهما في حال الإعراب ، وكانا في حال الإعراب ينصبان ويخفضان ، فلما بنيا حركا بما لم يكن يدخلهما في حال الإعراب وهو الضم.
ومما يوجب له البنيان : أن المنادى واقع موقع الصوت الذي يجب بناؤه كالزجر والاستدعاء والاستحثاث وسائر ما يصوت به للبهيمة عند ما يراد منها ، كعدس ، وهلا وجوب وتشوء وغير ذلك. وهذه الأصوات مبنية ، فبني الاسم المنادى لذلك.
وكان المازني يجيز : يا زيد وعمرا أقبلا على الموضع.
والذي قال سيبويه : يا زيد وعمرو ، لأن حرف النداء شملهما جميعا ولم يقل : على كل واحد منهما مفردا.
وأما : يا زيد والنضر ، فرفع النضر هو الاختيار ، ويا زيد والرجل ، الاختيار فيه النصب ، والفصل بينهما أن الألف واللام في النضر دخولها كخروجها ، لأن النضر ونضر علمان ، فلم تفد الألف واللام معنى ، وقد أفادت في الرجل معنى ، وهو معاقبة الإضافة ، فلما كان الواجب في المضاف النصب ، كان الاختيار في ما هو بمنزلة الإضافة النصب.
إن قال قائل : لم جاز دخول" يا" على هذا ، ولا يجوز دخولها على الألف واللام؟
فأحسن ما يقال فيه أن أصل هذا أن تشير به واحد لواحد ، فلما دعوته ، نزعت منه الإشارة التي كانت فيه وألزمته إشارة النداء فصار" يا" عوضا من نزع الإشارة ، ومن أجل ذلك لا يقال : هذا أقبل.