ومعنى قوله : «أضمرت صاحب الصفة».
أي : أضمرت زيدا الذي هو صديق مصاف ، وهو يسمّي الحال صفة.
وقال المبرد : العامل في «صديقا مصافيا» هو ما يقدر قبل الفاء مما يدل عليه أما ، كأنه قال :
مهما تذكر زيدا صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف ، ولا يعمل فيه «بصديق» لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها.
وخالفه غيره من النحويين ، قالوا : يجوز عمل ما بعد الفاء فيما قبلها ؛ لأنها ههنا زائدة ، دخولها كخروجها.
وظاهر كلام سيبويه أن رفع الصفة المذكورة لا يجوز البتة ، وهو جائز على ضعف ، وقد حكى مثله في الباب الذي بعده وهو قوله :
«أمّا ابن مزنية فأنا ابن مزنية».
فهذا وصف نكرة كما ترى ، وجعل بمنزلة المعرفة في الابتداء ، فلا يبعد فيما كان من الصفات نكرة أن يجري مجراه ، وإن كان هذا أقوى من غيره لاختصاصه بنوع معروف.
واعلم أن الدليل القاطع على أن المصدر النكرة في هذا الباب يكون حالا وعلة : أن العرب تضع موضع ما لا يكون إلا حالا البتة أو علة البتة. كقولك : أما عالما فعالم ، فقولك «عالما» لا يكون مفعولا له ؛ لأن اسم الفاعل لا يقع علة لغيره ، كما يقع المصدر ، فلما وقع قولك : أما علما فعالم موقع ، أما عالما فعالم ، علمنا أن المصدر حال لوقوعه موقع ما لا يكون إلا حالا.
وأما الدليل على أن المصدر في هذا الباب يكون علة لا حالا. فوقوع «أن» مع الفعل موقعه في قولك : أما أن يعلم فعالم. فإنّ «يعلم» علة ـ لوقوع الفعل ـ لا حال ، ألا ترى أنك لو قلت : جئتك أن أركب ، على معنى جئتك راكبا لم يجز ، كما تقول : جئتك مشيا وعدوا ، أي : ماشيا وعاديا.
فإن قلت : جئتك أن تعطيني وتحملني جاز على معنى : جئتك لهذا ، ومن أجل هذا.
فلما وقع «أن يعلم» موقع «علم» في قولك : «أما أن يعلم فعالم» ، علمنا أن «علما» الواقع موقعه : علة مثله ، ولذلك جاز نصبه مع الألف واللام ؛ لأن العلة تكون معرفة ونكرة ، فقف على هذا فإنه ملاك الباب.