فوجب وقوعه بعد «الله» وقبل «الرحيم» لذلك.
فثبت لله تعالى اسمان خاصان علمان :
أحدهما : منقول من جنس.
والآخر : منقول من وصف.
فكان ذلك بمنزلة اسمين خاصين لمسمى واحد ، كقولنا : النجم والثريا. وسائر أسمائه (تعالى) صفات لم يقصد بها قصد هذين الاسمين.
والدليل على صحة هذا : أننا نجد سائر أسمائه بعد هذين الاسمين معرفة ونكرة ، سواء كانت مخصوصة به أو مستعملة لغيره ، فتقول : اتق الله فإنه رب عظيم ، ملك جبار ، سبوح قدوس ، فتنكرها كما ترى ، وكذلك سائرها.
ولا يجوز هذا في «الرحمن» كما لا يجوز في «الله» لا تقول : إن الله رحمان ، كما لا تقول : إن ربك إله تريد : الله ، ولا : إن ربك رحمن على هذا التأويل ، فقد تبين الفرق.
ويؤكد الفرق أنه لو لم يقصد به قصد التسمية ، وكان على أصله من الصفة لاستغنى به عن الإتيان «بالرحيم» بعده ، إذ القصد بهما معنى واحدا ، فلا معنى لتكريرهما إذن ، وأحدهما يغني عن الآخر.
ومما يؤكد الفرق بينه وبينها : أنه لما وضع علامة خاصة ، غير عن بنائه وأصله ، وهو قولنا : «راحم» فقيل : «الرحمن» ، كما فعل «بالسماك» حيث غير عن سامك ، و «بالدبران» و «العيوق» ونحوها من الأسماء المختصة الموضوعة للعلامة المنقولة من الصفة.
فإن قال قائل : غير «الرحمن» من «الراحم» كما غير «الرحيم» منه لمعنى المبالغة.
قيل : إخراجه على هذا البناء ـ ومثله معلوم مطرد ـ كقولنا : عالم وعليم ، وسامع وسميع ، وقادر وقدير ونحوه.
وفعيل أحد الأبنية الخمسة التي يخرج إليها فاعل بمعنى التكثير دون غيرها من الأبنية وهي : فعول وفعال ومفعال وفعيل وفعل ، وليس فعلان منها ، ولا يخرج إليها من فاعل على هذا المعنى ، ألا ترى أن فعلان لم يجئ متعديا في شيء من الكلام كما يتعدى فاعل وفعيل ، وجميع هذه الأبنية التي أخرج الفعل إليها لمعنى التكثير.
فإن قال قائل : إنما قدم «الرحمن» على «الرحيم» حيث كان على بناء : يختص بالله عز وجل.
فالجواب : أنه لو كان صفة لا اسما خاصّا ، لم يلزم تقديمه على «الرحيم» إذ هو صفة مثله ، كما لم يلزم تقديم «الملك» على «القدوس» في قوله عز وجل (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) [الحشر : ٢٣] لأن «القدوس» لا يستعمل لغير الله ، و «الملك» قد يستعمل